للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفرح عَلى رَبِّهِمْ لا على غيره من الوسائل والأسباب العادية يَتَوَكَّلُونَ وينسبون اليه عموم ما ينسبون لا الى الوسائط والوسائل إذ الكل منه بدأ واليه يعود بل الوسائل كلها مطوية عندهم منسية لديهم ودونهم بل نظرهم مقصور على المسبب الواحد الأحد الفرد الصمد القيوم المطلق الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد وبعد ما امر سبحانه المؤمنين بالجلاء ومفارقة الأوطان لكسب الجمعية وحضور القلب قالوا متحوفين عن العيلة والاضطرار في امر المعاش كيف نعمل ونعيش في بلاد الغربة ولا معيشة لنا فيها قال سبحانه تسلية لهم وازالة لخوفهم

وَكَأَيِّنْ اى كثيرا مِنْ دَابَّةٍ تحرك على الأرض محتاجة الى الغذا المقوم لمراحها مع انها لضعفها وعدم مكنتها لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اى لا تطيق لحمل الرزق وادخاره وكسبه اللَّهُ المتكفل لأرزاق عموم عباده يَرْزُقُها من حيث لا يحتسب وَإِيَّاكُمْ ايضا كذلك وأنتم حسب حصة ناسوتكم من حملة الدواب التي قد تكفل الله برزقها بل من حلتها فلا تغتموا لأجل الرزق الصوري ولا تقولوا قولا به نزل بعلكم عن خالقكم ورازقكم وَلا تخطروا ايضا ببالكم أمثال هذا إذ هُوَ السَّمِيعُ لأقوالكم الْعَلِيمُ بأحوالكم ونياتكم فعليكم ان تثقوا في كل الأحوال بالله المتولى لأموركم مفوضين كلها اليه متوكلين عليه متمكنين في توكلكم وتفويضكم راسخين فيه بلا تلعثم وتزلزل. ثم قال سبحانه قولا على سبيل الإلزام والتبكيت

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ يا أكمل الرسل اى اهل مكة مع كفرهم وشركهم مَنْ خَلَقَ واظهر السَّماواتِ وَالْأَرْضَ من كتم العدم بلا سبق مادة ومدة وَمن سَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وصيرهما دائبين دائرين لَيَقُولُنَّ اللَّهُ المظهر للكائنات المستقل في إيجادها والمتصرف فيها بالاستقلال والاختيار حسب ارادته ومشيته وبعد ما أقروا بوحدة الحق وانتهاء مراتب عموم الكثرات والممكنات اليه سبحانه قل فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ والى اين ينصرفون عن توحيده والايمان به والامتثال بأوامره والاجتناب عن نواهيه الجارية على ألسنة رسله وكتبه وان صرفهم عن الايمان فقر اهله وفاقتهم قل لهم نيابة عنا

اللَّهُ المطلع لاستعدادات عباده وقابلياتهم يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ حسب استعداده وقابليته وَيَقْدِرُ لَهُ ويقبض عنه ايضا بحسنه ارادة واختيارا إِنَّ اللَّهَ المتقن في عموم أفعاله بِكُلِّ شَيْءٍ صدر عنه ارادة واختيارا عَلِيمٌ لا يعزب عن حيطة حضرة علمه شيء من لوازمه ومتمماته وجميع مقتضياته

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ ايضا يا أكمل الرسل مَنْ نَزَّلَ مِنَ جانب السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ اى بواسطة الماء بمقتضى عادته المستمرة من تعقيب الأسباب بالمسببات الْأَرْضَ الجامدة اليابسة مِنْ بَعْدِ مَوْتِها وجمودها ويبسها طبعا لَيَقُولُنَّ طوعا اللَّهُ القادر المقتدر على مطلق الأحياء والاماتة ومع اعترافهم بوحدة الله وانتساب معظم الأشياء اليه سبحانه يشركون له غيره عنادا ومكابرة قُلِ يا أكمل الرسل بلسان الجمع بعد ما قد عصمك الحق عن الشرك وانواع الجهالات بافاضة العقل المفاض وهداك نحو توحيده بالرشد الكامل المكمل المميز لك أكمل التمييز حامدا به شاكرا لنعمه سيما نعمة العصمة عن الشرك والضلال الْحَمْدُ المطلق والثناء العام الصادر عن ألسنة ذرائر الكائنات المتذكرة لمبدئها ومنشئها طوعا وطبعا ثابت حاصل لِلَّهِ راجع اليه سبحانه اصالة إذ لا مظهر لهم سواه ولا موجد بل لا موجود في الوجود الا هو بَلْ أَكْثَرُهُمْ من نهاية غفلتهم وضلالهم عن الله لا يَعْقِلُونَ ولا يفهمون وحدة الحق واستقلاله في الآثار والتصرفات الواقعة في الأنفس والآفاق ولا يستعملون عقولهم المفاضة لهم للتدبر والتأمل

<<  <  ج: ص:  >  >>