للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الى ان تجعلها مطمئنة راضية بما جرى عليها من القضاء ثم بعد ما قد صارت امارتك مطمئنة راضية انبعث شوقك وافضى ذوقك مع جذب من جانب الحق الى ان تجعلها فانية في هوية الله مضمحلة في ذاته متلاشية في أوصافه وأسمائه بحيث لا يبقى لها عين ولا اثر فحينئذ قد صرت من زمرة المحسنين المهديين المرضيين الذين هم مع الله في عموم أحوالهم لا بطريق المصاحبة والمقارنة ولا بطريق الحلول والاتحاد على ما يخيلك الألفاظ والعبارات بل بطريق الصيرورة والرجوع اليه والفناء فيه والبقاء ببقائه جعلنا الله ممن اجتهد في طريق التوحيد وجاهد في نفسه في مسلك الفناء حتى بذلها في سبيل الله وأفناها في هويته سبحانه بمنه وجوده

[سورة الروم]

[فاتحة سورة الروم]

لا يخفى على من تحقق بتجددات التجليات الإلهية وتبدلات شئونه وتطوراته لطفا وقهرا قبضا وبسطا جمالا وجلالا ان دوام العسر واليسر والنعمة والنقمة والجدب والرخاء والفرح والترح والغالبية والمغلوبية وكذا عموم الأوصاف المتضادة المتناقضة والأطوار المتخالفة الحاصلة من الإضافات والارتباطات الواقعة بين الشئون والتطورات الحادثة في الأكوان والأزمان بين اهل الزمان المحبوسين في مضيق الإمكان والحدثان انما هي بحسب التجليات الإلهية المقتضية لحدوثها كل ذلك وأمثاله مما لا يتصور امتداده ودوامه ابدا مستمرا بلا تبدل وتحول بل ما هي الا أعراض متبدلة متجددة على تعاقب الأمثال وتوارد الاضداد لا تبقى زمانين متطاولة بالنسبة الى قوم دون قوم بل يتداول ويتداور بينهم بمقتضى سنة الله وجرى عادته المستمرة كما هو المتعارف المشهور المشهود من جريان الزمان وتوارد الحدثان حسب تجدد الملوان لذلك رد الله سبحانه على مشركي مكة خذلهم الله فرحهم وسرورهم حين أخبروا بغلبة فارس الذين هم ليسوا من اهل الكتاب على الروم الذين هم نصارى من اهل الكتاب ومن غاية فرحهم وجهلهم قالوا للمؤمنين تفألا على سبيل التبجح نحن نظهر ونغلب عليكم كما قد ظهر إخواننا على إخوانكم فاغتم المؤمنون من هذه الواقعة الهائلة انزل الله سبحانه هذه السورة تسلية لهم وازالة لغمهم مخاطبا لحبيبه صلّى الله عليه وسلم مخبرا إياه متيمنا باسمه الكريم بِسْمِ اللَّهِ المتجلى بمقتضى جماله وجلاله حسب ارادته واختياره الرَّحْمنِ لعموم عباده بسعة رحمته وسبقتها على غضبه الرَّحِيمِ لخواصهم بدوام الرحمة عليهم والرضاء عنهم والبسط معهم بلا تخلل الغضب والقبض

[الآيات]

الم ايها الإنسان الأفضل الأكمل اللبيب اللائق الملازم المداوم لاستكشاف غوامض اسرار الوجود ورقائق دقائق آثار الكرم والجود الفائض من الخلاق الودود على خواص مظاهر الأكوان وزبدة الأعيان المحبوسين في مضيق الإمكان ليوصلهم الى فضاء الوجوب وصفاء الكشف والشهود مخلصين عن عموم الأوهام والخيالات المستتبعة لانواع القيود قد

غُلِبَتِ الرُّومُ وصاروا مغلوبين من عسكر الفرس

فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وأقربها من ارض العرب وارض الروم وهي أذرعات الشام والأردن او فلسطين على اختلاف الروايات من اصحاب التواريخ وَلا تغتموا ايها المؤمنون من مغلوبية اهل الكتاب وضعفهم إذ هُمْ اى الروم مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ ومغلوبيتهم من الفرس سَيَغْلِبُونَ ويصيرون غالبين عليهم آخذين انتقامهم عنهم على ابلغ وجه وأشده لا بعد زمان بعيد ومدة متطاولة بل

فِي بِضْعِ سِنِينَ والبضع عند العرب من الثلاث الى التسع. روى ان فارس قد عزوا الروم فتلاحقا باذرعات الشأم

<<  <  ج: ص:  >  >>