للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي اقرب ارض الروم من الفرس والعرب ايضا فلما اقتحما قد غلب الفرس على الروم فوصل الخبر الى مكة فأخذ المشركون في فرح عظيم وسرور مفرط شامتين بالمسلمين متطيرين بهم قائلين إياهم أنتم والنصارى اهل الكتاب ونحن وفارس أميون لا كتاب لنا وقد ظهر إخواننا على إخوانكم فنحن لنظهرن ايضا عليكم مثلهم عن قريب فنزلت الآية فقرأها صلّى الله عليه وسلّم على ابى بكر رضى الله تعالى عنه فخرج عليهم فقال لهم لا يقرن الله أعينكم ايها المشركون المسرفون فو الله ليظهرن الروم على فارس بعد بضع سنين فقال له ابى ابن خلف كذبت اجعل بيننا أجلا اناحبك وأراهن معك فناحبه ابو بكر رضى الله عنه على عشر قلائص من كل واحد منهما وجعلا الأجل ثلاث سنين فأخبر ابو بكر رضى الله عنه ما جرى بينهما على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال صلّى الله عليه وسلّم والبضع ما بين الثلاث الى التسع فرجع رضى الله عنه الى ابى فزايده الجعل والمدة ايضا فجعلاها مائة قلوص الى تسع سنين ومات ابى من طعن قد طعنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم احد وظهر الروم على فارس يوم الحديبية او بدر فأخذ ابو بكر الخطر والرهن من ورثة ابى وجاء به الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال تصدق به فتصدق فهذا قبل تحريم القماز فلا يصح الاستدلال به على جواز العقود الفاسدة فهذه الآية من جملة دلائل النبوة والرسالة لكونها اخبارا عن الغيب بوحي الله والهامه إذ لِلَّهِ وفي قبضة قدرته واختياره الْأَمْرُ كله غيبا وشهادة دنيا وعقبا مِنْ قَبْلُ ازلا وَمِنْ بَعْدُ ابدا سرمدا لا راد لأمره ولا معقب لحكمه بل يفعل الله بمقتضى ارادته واختياره ما يشاء حسب حكمته ويحكم ما يريد بحوله وقوته وَيَوْمَئِذٍ اى حين غلب الروم على الفرس في رأس السنة التاسعة انجازا لما وعد به سبحانه المؤمنين يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ مثل ما فرح المشركون في الواقعة السابقة الا ان فرح المؤمنين انما هو

بِنَصْرِ اللَّهِ وتأييده باهل الكتاب والملة وبتقوية دينه وكتابه النازل من عنده إليهم وبتغليبهم على اهل الهواء والآراء الباطلة وبالجملة فرحهم انما هو لتقوية الدين واهله لا لمجرد الغيرة والحمية الجاهلية والعصبية المفرطة كما هو ديدنة اهل الزيغ والضلال والا فالله سبحانه يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ من عباده بمقتضى مراده سواء كان من اهل الهداية او الضلالة او السعادة او الشقاوة لا يسأل عما يفعل وَكيف يسئل عن فعله سبحانه مع انه هُوَ الْعَزِيزُ المنيع ساحة عز حضوره عن ان يسأل عن كيفية أفعاله الغالب المقتدر بالقدرة الكاملة على عموم مراداته الرَّحِيمُ لعباده يتفضل عليهم حسب سعة رحمته إحسانا لهم وامتنانا عليهم وما ذلك النصر والتأييد الا

وَعْدَ اللَّهِ وعهده الذي قد وعده وعهده مع المؤمنين حين اشتد عليهم الحزن وهجم الهموم وقت مغلوبية الروم غيرة منهم على دين الله واهله ومن سنته سبحانه انه لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ الذي وعده سيما مع خلص عباده وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ المجبولين على الغفلة والنسيان لا يَعْلَمُونَ وعده ولا يؤمنون ولا يصدقون بانجازه الوعد وعدم خلفه في الموعود بل ما

يَعْلَمُونَ وما يأملون الا ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا يعنى لا يترقى علمهم من المحسوسات الظاهرة مثل الحيوانات العجم بل هم أسوء حالا منها إذ هم مجبولون على التأمل والتدبر والتفطن بما هو المقصود منها ومن ظهورها والتفكر في حكمة إظهارها على هذا النمط البديع والنظم العجيب وفي كيفية ارتباطها بالأسماء الإلهية والأوصاف الذاتية وانعكاسها منها وهم مكلفون عليها قابلون لها بخلاف سائر الحيوانات وَبالجملة هُمْ عَنِ النشأة الْآخِرَةِ المعدة لكشف السدل والستائر ولرفع الحجب وعموم الاغطية والأستار المانعة عن ظهور الحق وانكشاف لقائه على جميع عباده بلا سترة وحجاب هُمْ غافِلُونَ غفلة مؤبدة تامة

<<  <  ج: ص:  >  >>