للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شكره أداء لحق شيء من جلائل نعمه وفواضل كرمه وَبالجملة أُولئِكَ الباذلون أموالهم في سبيل الله على الوجه الذي أمرهم الحق به هُمُ الْمُفْلِحُونَ المقصورون على الفوز والفلاح من عنده سبحانه. ثم أشار سبحانه الى احوال الجهلة الذين قد بذلوا أموالهم لطلب الجاه والثروة والرياء والسمعة وازدياد مال صديقه بلا ارادة وجه الله وابتغاء رضوانه وطلب الثواب منه بل لمجرد الكبر والخيلاء فقال

وَما آتَيْتُمْ وأعطيتم مما عندكم مِنْ رِباً اى زيادة حاصلة من أموالكم بطريق الربا انما أعطيتم وآتيتم ايضا لِيَرْبُوَا ويزيد فِي أَمْوالِ النَّاسِ مكافاة لهم أو نية فاسدة اخرى بلا امتثال امر الله وطلب مرضاته فَلا يَرْبُوا يعنى فاعلموا انه لا يزيد لكم صرفكم هذا عِنْدَ اللَّهِ شيأ من الثواب بل لا يقبل صرفكم هذا عنده سبحانه أصلا لفساد اغراضكم ونياتكم فيها وَاما ما آتَيْتُمْ وأعطيتم للفقراء الفاقدين وجه المعاش مِنْ زَكاةٍ قد فرضها سبحانه عليكم امتثالا لأمره واطاعة لدينه على الوجه الذي أمرتم به مع انكم تُرِيدُونَ وتقصدون بإخراجها وصرفها وَجْهَ اللَّهِ ومحض رضاه بلا خلط شيء من أماني اهويتكم وتسويلات امارتكم معها فَأُولئِكَ الفاعلون للزكاة على الوجه المذكور المأمور هُمُ الْمُضْعِفُونَ عند الله ثوابها الى سبعين بل الى سبع مائة بل الى ما شاء الله عناية من الله وإفضالا لهم وكيف لا تطلبون ولا تقصدون بخيراتكم وصدقاتكم خالص وجه الله وتشركون معه غيره من التماثل والاظلال الهالكة الباطلة العاطلة إذ

اللَّهُ المتوحد المتفرد في ذاته القادر المقتدر الحكيم العليم الَّذِي خَلَقَكُمْ وأظهركم أولا من كتم العدم ولم تكونوا شيأ مذكور الا بالقوة ولا بالفعل ثُمَّ بعد ما أظهركم في بيداء الوجود رَزَقَكُمْ وأنعم عليكم من انواع النعم ليربيكم بها على مقتضى اللطف والكرم ثُمَّ بعد ما انقضى الأجل المسمى عنده لبقائكم في النشأة الاولى يُمِيتُكُمْ بمقتضى قهره وجلاله تتميما لقدرته الكاملة الغالبة ثُمَّ بعد ما انقرض النشأة الاولى المعدة لانواع الابتلاءات والاختبارات الإلهية المتعلقة لحكمة اظهاركم وايجادكم في عالم الكون والفساد لتتزودوا فيها من المعارف والحقائق والاتصاف بالأخلاق الإلهية لنشأتكم الاخرى يُحْيِيكُمْ فيها للعرض والجزاء وتنقيد ما اقترفتم من الأعمال والأحوال في النشأة الاولى لتجازوا بها على مقتضاها فيها وبعد ما سمعتم ما سمعتم تأملوا وتدبروا منصفين ايها المشركون بالله المتوحد المتفرد المستقل في التصرفات الواقعة في ملكه غيرة منه وحمية لحمى قدس ذاته من ان يحوم حول سرادقات عزه وجلاله شائبة فتور وقصور وإذا سمعتم نبذا من خواص أوصافه سبحانه تأملوا هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ الذين قد ادعيتم أنتم شركتهم مع الله القادر على أمثاله بالاستقلال والاختيار مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ الذي قد سمعتم صدوره منه سبحانه بل قد رأيتم وابصرتم طول عمركم في الآفاق وفي انفسكم مِنْ شَيْءٍ حقير قليل كلا وحاشا ان يصدر شيء من الأشياء من غيره سُبْحانَهُ بل هو في ذاته منزه عن شوب الشركة والمظاهرة مطلقا وَتَعالى شأنه عَمَّا يُشْرِكُونَ أولئك المشركون المسرفون علوا كبيرا ومن غاية جهلهم بالله وغفلتهم من علو قدره وسمو مكانته قد

ظَهَرَ الْفَسادُ وانواع البليات والمصيبات الواقعة فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ من الجدب والعناء والزلزلة والوباء والحرق والغرق وانواع الضلالات الواقعة في السفن الجارية مع ان اصل الظهور والبروز باعتبار الفطرة الاصلية على العدالة والاستقامة وما ظهر عموم ما ظهر من الانحرافات والانصرافات المنافية لصرافة الاعتدال الحقيقي الإلهي الا بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ وبشؤم ما اقترفوا من الكفر والكفران والفسوق والعصيان والخروج عن مقتضى الحدود الإلهية الموضوعة

<<  <  ج: ص:  >  >>