للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الاعتدال والقسط القويم والحكمة في صدور هذه الانحرافات والفسادات عنهم مع انها انما صدرت عنهم باقدار الله إياهم وتمكينه لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا اى يذيق لهم العليم الحكيم في الدنيا وبال بعض أعمالهم الفاسدة ويبقى بعضها في الآخرة ليستوفيها فيها وانما يذيقهم سبحانه نبذا منها عاجلا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ رجاء ان يرجعوا اليه بعد ما ذاقوا ما ذاقوا من انواع المحن والشدائد وان أنكر هؤلاء المشركون أذاقتنا العذاب لأمثالهم

قُلْ لهم يا أكمل الرسل نيابة عنا سِيرُوا فِي الْأَرْضِ المعدة لانواع الكون والفساد فَانْظُرُوا نظر معتبر منصف ومتأمل مستبصر ليظهر عندكم كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مضوا مِنْ قَبْلُ مع انهم كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ أمثالكم مشاركين معكم في الشرك والكفر وانواع الفسوق والعصيان وبعد ما قد أشار سبحانه الى وخامة عاقبة اصحاب الآراء الفاسدة والأهواء الباطلة من المنحرفين عن جادة الاستقامة المنصرفين عن سبيل السلامة امر حبيبه صلّى الله عليه وسلّم بالإقامة والاستقامة في منهج العدالة التي هي دين الإسلام الناسخ لعموم الأديان الباطلة والآراء الزاهقة الزائلة فقال

فَأَقِمْ وَجْهَكَ فاستقم وتوجه واعتدل يا أكمل الرسل بوجه قلبك الذي هو يلي الحق لِلدِّينِ الْقَيِّمِ المنزل من عنده سبحانه على الاستقامة والعدالة تفضلا عليك وامتنانا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ ويحل عليك يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ اى لا يرد فيه ما نفذ من القضاء المبرم إذ إتيانه انما هو مِنَ اللَّهِ العليم الحكيم على هذا الوجه إذ لا استكمال ولا رجوع حينئذ ايضا ولا ينفع الطاعة والعبادة حين حلوله بل يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ اى يتفرق الناس فرقا ويتحزبون أحزابا بمقتضى ما كانوا عليه في نشأة الاختبار والابتلاء

مَنْ كَفَرَ فيما مضى فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ اى وبال كفره وفسقه ملازم معه يدخله في النار ويخلده مهانا وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فيما مضى فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ يعنى فهم بايمانهم وعملهم الصالح يمهدون ويبسطون لأنفسهم منزلا ومهادا في الجنة هم فيها خالدون والسر في قيام الساعة وتعاقب النشأة الاخرى

لِيَجْزِيَ سبحانه المؤمنين الَّذِينَ آمَنُوا به سبحانه وأيقنوا بوحدة ذاته وبجميع ما جاء من عنده سبحانه على رسله وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ المقبولة عنده امتثالا لما أمروا به على ألسنة رسله مِنْ فَضْلِهِ اى يجزيهم من محض فضله ولطفه معهم ومحبته إياهم بأضعاف ما استحقوا بأعمالهم وايمانهم ويجزى الكافرين ايضا بمقتضى عدله بمثل ما اقترفوا من الكفر والشرك والظلم والضلال إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ المصرين على الكفر والضلال سيما بعد إرساله سبحانه إليهم من يصلحهم ويهديهم الى صراط مستقيم فكذبوه وأنكروا له عنادا واستكبارا

وَمِنْ جملة آياتِهِ سبحانه الدالة على كمال رأفته ورحمته للمؤمنين المتحققين بمرتبة التوحيد المتمكنين بمقر الوحدة الذاتية أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ المشتملة لانواع الروح والراحة المهبة من نفحات النفسات الرحمانية لتعرضوا لها وتستنشقوا منها فيضان آثار اللطف والجمال مع كونها مُبَشِّراتٍ لمزيد فضله وطوله ونزول انواع رحمته وجوده وَلِيُذِيقَكُمْ ويفيض عليكم مِنْ سعة رَحْمَتِهِ ما ينجيكم ويخلصكم من لواز بشريتكم وناسوتكم وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ اى سفن تعيناتكم الجارية في بحر الوجود بِأَمْرِهِ وعلى مقتضى ارادته ومشيته وَلِتَبْتَغُوا وتطلبوا بعد ما فوضتم أموركم كلها اليه واتخذتموه وكيلا مِنْ موائد فَضْلِهِ وإحسانه وعوائد كرمه وجوده ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وَانما فعل معكم سبحانه هذه الكرامات لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ رجاء ان تشكروا نعمه وتفوزوا بمزيد كرمه

<<  <  ج: ص:  >  >>