للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتحققوا بمقام معرفته وتوحيده الذي قد جبلتم لأجله. ثم قال سبحانه مقسما تسلية لرسوله وازالة لهمه وحزنه العارض له من تكذيب الجهلة المسرفين المشركين بالله إياه المستهزئين معه جهلا وعنادا

الله قَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ

يا أكمل الرسل سُلًا

مبشرين ومنذرين لى قَوْمِهِمْ

الذين قد ظهرت عليهم امارات الكفر والطغيان وعلامات الظلم والعدوان جاؤُهُمْ

مؤيدين من عندناالْبَيِّناتِ

الواضحة والمعجزات اللائحة ففاجأوا على تكذيبهم عنادا واستكبارا بلا تأمل وتدبر منهم في آياتهم وبيناتهم انْتَقَمْنا

بمقتضى قهرنا وجلالنانَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا

بالجرائم العظام سيما تكذيب الرسل الكرام عليهم التحية والسلام

كيف لا ننتقم عنهم بتكذيبهم رسلنا مع انه قدانَ حَقًّا عَلَيْنا

حسب لطفنا حتما لازما ثبت في لوح قضائنا وحضرة علمناصْرُ الْمُؤْمِنِينَ

اى نصر الرسل والمؤمنين بهم وتغليبهم على الكافرين بعد ما امتثلوا باوامرنا واجتنبوا عن نواهينا وبلغوا جميع ما امرناهم واوحيناهم الى من أرسلناهم فكذبوهم ولم يقبلوا منهم أولئك البعداء المنكرون المسرفون وحى الحق إياهم والهامه عليهم مع انه

اللَّهُ الجامع لجميع مراتب الأسماء والصفات الكاملة الظاهرة المتجلى على مقتضاها بالاستقلال ارادة واختيارا هو القادر المقدر الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ المنتشئة من محض فضله وجوده بلا سبق سبب يوجبها وعلة تقتضيها على ما جرى عليه عادته سبحانه في سائر الموجودات فَتُثِيرُ وتحرك أجزاء البخار والدخان وتمزج بعضها مع بعض فتركمها وتكشفها حتى صارت سَحاباً هامرا فَيَبْسُطُهُ سبحانه فِي جو السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ عرضا وطولا سائرا وواقفا مطبقا وغير مطبق الى غير ذلك من الأوضاع الممكنة الورود عليه وَبعد ما مهده سبحانه وبسطه يَجْعَلُهُ كِسَفاً وقطعا مختلفة فَتَرَى ايها المعتبر الرائي الْوَدْقَ والمطر يَخْرُجُ ويفيض مِنْ خِلالِهِ فتوقه ومنافذه بعد ما قد تكون فيه بقدرة الله من اجتماع أجزاء الابخرة والادخنة المتصاعدة الممتزجة المتراكمة المتكاثفة المتفاعلة بعضها مع بعض الى ان صارت ماء فتقطر وتسيل فَإِذا أَصابَ بِهِ اى بالماء مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ اى أراضيهم ومزارعهم منا منه سبحانه إياهم وتفضلا عليهم إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ يعنى هم قد فاجؤا بنزوله الى انواع البشارة والابتهاج واظهار الفرح والسرور متفألين بنزوله الى الخصب والرخاء وانواع البهجة والصفاء

وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ المطر مِنْ قَبْلِهِ اى من قبل ثوران الابخرة والادخنة وانعقاد السحب وتراكمها منها لَمُبْلِسِينَ آيسين قانطين لطول عهد عدم نزوله إياهم وامتداد مدة حبسه عنهم

فَانْظُرْ ايها المؤمن المعتبر الناظر بنور الله إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ والى كمال فضله وجوده كَيْفَ يُحْيِ ويخضر الْأَرْضَ سيما بَعْدَ مَوْتِها اى جمودها ويبسها وعدم نضارتها ونزاهتها ويظهر عليها انواع الازهار والأثمار عناية منه سبحانه لعباده وفضلا لهم ليتزودوا بها ويسلكوا سبيل هدايته وتوحيده إِنَّ ذلِكَ القادر المقتدر بالإرادة التامة والاختيار الكامل لَمُحْيِ الْمَوْتى في الحشر والجزاء ومخرجها البتة من قبورهم وقت تعلق ارادته باحيائهم وَكيف لا هُوَ بذاته عَلى كُلِّ شَيْءٍ دخل في حيطة حضرة علمه وارادته قَدِيرٌ على الوجه الأتم الأكمل بلا فتور ولا قصور

وَمن عدم رسوخهم في الدين القويم وقلة تثبتهم على الصراط المستقيم لَئِنْ أَرْسَلْنا عليهم رِيحاً فَرَأَوْهُ اى ما هبت عليه من الزروع مُصْفَرًّا من أثرها بعد ما كان مخضرا يعنى لا تربى زروعهم ولا تنميها بل تضعفها وترديها

<<  <  ج: ص:  >  >>