للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندهم بل بعضهم قد تخيلوا اقصر منها كَذلِكَ اى مثل ترددهم وانصرافهم عن طول مدة مكثهم في الدنيا في يوم القيامة قد كانُوا يُؤْفَكُونَ يترددون وينصرفون في النشأة الاولى عن طريق التوحيد وسبيل الهداية والرشد من كمال غفلتهم وقسوتهم وَبعد ما سمع منهم المؤمنون الموحدون استقصارهم مدة لبثهم فيها وانصرافهم عن الحق

قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ اللدني من قبل الحق وَالْإِيمانَ بالمغيبات التي قد أمروا بتصديقها على ألسنة الرسل والكتب سيما يوم البعث والنشور ردا عليهم وتخطئة لهم لَقَدْ لَبِثْتُمْ في الدنيا بمقتضى ما ثبت فِي كِتابِ اللَّهِ ولوح قضائه وحضرة علمه المحيط إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ وحشر الموتى وقيام الساعة فَهذا اليوم الذي أنتم فيه معذبون الآن يَوْمِ الْبَعْثِ الموعود لكم في الدنيا على ألسنة الرسل والكتب وَلكِنَّكُمْ من خبث طينتكم وجهلكم قد كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ولا تؤمنون به ولا تصدقون قيامه بل تنكرونها وتكذبون من اخبر بها من الرسل العظام مع انهم مؤيدون من قبل الحق بالدلائل القاطعة والبراهين الساطعة والمعجزات الباهرة الظاهرة وبالجملة هم بعد ما قد فوّتوا الفرص في دار الاختبار وضيعوا عين العبرة فيها

فَيَوْمَئِذٍ اى حين قيام الساعة وانقضاء ايام التفقد والتدارك لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم بالخروج عن حدود الله والعرض على عذابه مَعْذِرَتُهُمْ وعذرهم ليعتذروا من قصورهم ويتوبوا عن فتورهم متداركين لما فوتوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ولا يطلب منهم العتبى ولا يسمع منهم المعذرة حتى يزول عتابهم بالتوبة والانابة والندم والرجوع إذ قد انقضى نشأة الابتلاء والاختبار فحينئذ لا يقبل منهم التوبة والعبادة أصلا. ثم قال سبحانه على سبيل التأكيد والمبالغة مشيرا الى كمال قسوة اهل الزيغ والضلال

وَلَقَدْ ضَرَبْنا وبيّنا لِلنَّاسِ الناسين طريق الوصول الى توحيدنا ووحدة ذاتنا فِي هذَا الْقُرْآنِ المنزل من عندنا لنبين طريق توحيدنا وسلوك سبيل الاستقامة والرشد مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ينبئ لهم عنه وينبههم عليه ويبين لهم كيفية التنبه والتفطن منه ومع ذلك لم يتنبهوا ولم يتفطنوا الا قليلا منهم وَمن غلظة غشاوتهم ونهاية غفلتهم وضلالهم لَئِنْ جِئْتَهُمْ يا أكمل الرسل بِآيَةٍ من آيات القرآن ملجئة لهم الى الايمان لو تأملوا معناها وتدبروا فحواها لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا واعرضوا عن الحق وانصرفوا عن توحيده والايمان به على سبيل الحصر والمبالغة بلا مبالاة لهم بك وبآياتك إِنْ أَنْتُمْ وما كنتم في دعواكم هذه ايها المدعون الكاذبون يعنون الرسول والمؤمنين إِلَّا مُبْطِلُونَ مفترون مزورون تفترون على الله ما تختلقونه من تلقاء انفسكم تغريرا وترويجا

كَذلِكَ اى مثل طبعهم وختمهم الذي قد شهدت يا أكمل الرسل من هؤلاء الجهلة يَطْبَعُ اللَّهُ الحكيم المتقن في أفعاله ويختمه عَلى قُلُوبِ عموم الكفرة والجهلة الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ الحق ولا يذعنون به لتركب جهلهم في جبلتهم والجهل المركب لا يزول بالقواطع والشواهد قطعا ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور ومتى سمعت يا أكمل الرسل من أحوالهم وأوضاعهم ما سمعت من عدم قابليتهم واستعدادهم الى الهداية والرشد

فَاصْبِرْ على أذاهم وثق بالله وبوعده الذي قد وعدك بان يظهر دينك على الأديان كلها إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ وإنجازه لما وعد به حَقٌّ بلا خلف وتردد وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ ولا يحملنك ولا يبعثنك يا أكمل الرسل على الخفة والاضطراب وقلة التصبر وعدم الثقة بالله القوم الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ولا يتصفون باليقين في امر من الأمور أصلا فكيف بالمعارف والحقائق الإلهية إذ هم مجبولون على فطرة الضلال مترددون في بيداء الوهم والخيال لا نجاة

<<  <  ج: ص:  >  >>