للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرجوع قادرة على لوازم الألوهية والربوبية فسكتوا بعد ما سمعوا ما سمعوا تائهين وانقلبوا حينئذ صاغرين بَلِ الظَّالِمُونَ المجبولون على الظلم والخروج عن مقتضى الحدود الإلهية سيما بدعوى الشركة واتخاذ اله سواه العياذ بالله منه فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وغواية ظاهرة وطغيان عظيم. أعاذنا الله وعموم عباده من أمثاله. ثم قال سبحانه على سبيل اظهار الفضل والامتنان والتفرد بمقتضى الألوهية والربوبية

وَلَقَدْ آتَيْنا من مقام عظيم لطفنا وجودنا لُقْمانَ ابن باعورا ابن ناخور بن آزر وكان ابن اخت أيوب عليه السلام او خالته وعاش الى ادراك داود عليه السلام فأخذ منه العلم والْحِكْمَةَ وهي عبارة عن اعتدال الأوصاف الجبلية الموعودة في النفوس البشرية بمقتضى الفطرة الاصلية والتخلق بالأخلاق المرضية المنتشئة من الأوصاف الذاتية الإلهية وقلنا له بعد ما قد أنعمنا عليه نعمة الحكمة واعددناه لقبول فيضان انواع اللطف والكرامات أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ واصرف بمقتضى الحكمة الموهوبة لك من عندنا عموم ما أعطيناك من النعم العظام على ما جبلناها لأجله لتكون أنت من زمرة الشاكرين المواظبين على أداء حقوق جودنا وكرمنا ومن جملة المطيعين بمقتضيات حكمتنا وأحكامنا وَاعلم ايها المجبول على الحكمة الفطرية انه مَنْ يَشْكُرْ نعمنا عادا على نفسه عوائد كرمنا فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ إذ فائدة شكره انما هي عائدة اليه مزيدة لنعمنا إياه مستجلبة لانواع لطفنا وإحساننا معه وَمَنْ كَفَرَ لنعمنا من خبث طينته واعرض عن أداء حقوق كرمنا إياه فوبال كفرانه وطغيانه ايضا عائد اليه إذ عندنا الشكر والكفران سيان ونحن منزهون عن الربح والخسران فَإِنَّ اللَّهَ المتجلى على عموم الأنفس والآفاق بكمال الاستقلال والاستحقاق غَنِيٌّ مطلقا بذاته عن جميع صور احسان عباده معه حَمِيدٌ حسب أوصافه وأسمائه الذاتية الظاهرة آثارها على صفائح الأكوان والمكونات المتوجهة نحو مبدعها المثنية له سبحانه حالا ومقالا سرا وجهارا

وَاذكر يا أكمل الرسل لمن تبعك من المؤمنين تذكيرا لهم وعظة عليهم وقت إِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ المسمى بأنعم او اشكم او ماثان قولا ناشئا عن محض الحكمة المتقنة الموهوبة له من عنده سبحانه وَهُوَ يَعِظُهُ ويقصد تهذيب ظاهره وباطنه عن الأخلاق الردية والملكات الدنية الغير المرضية مناديا إياه مصغرا على سبيل التحنن والتعطف وكمال الترحم والتلطف مضيفا الى نفسه ليقبل منه ما أوصاه يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ المنزه عن الشريك والشبيه والكفو والنظير واعلم ان أجل اخلاقك وأعز اوصافك التوحيد وتنزيه الحق عن التشبيه والتعديد وأخس اوصافك وأرذل اخلاقك وأردأ ما جرى في خلدك وضميرك الشرك بالله إِنَّ الشِّرْكَ واعتقاد التعدد والاثنينية في حق الحق الحقيق بالحقية الوحيد بالقيومية الفريد بالديمومية المستحق بالالوهية والربوبية استحقاقا ذاتيا لَظُلْمٌ عَظِيمٌ لا ظلم أعظم منه وافحش أعاذنا الله وعموم عباده منه. ثم قال سبحانه على سبيل التوصية والمبالغة تأكيدا وتحقيقا على ما قد وصى به لقمان ابنه من النهى عن الشرك والزجر عنه

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ والزمنا عليه أولا بعد ما قد أظهرناه قابلا لحمل التكاليف المكملة لذاته لائقا للكمالات المعدة له في خزانة كرمنا وجودنا بِوالِدَيْهِ اى باطاعتهما وبحفظ آداب المعاشرة والمصاحبة معهما ورعاية حقوقهما على ما ينبغي ويليق بلا فوت شيء من حقوقهما سيما والدته المتحملة لأجله انواع المحن والمشاق إذ قد حَمَلَتْهُ أُمُّهُ بواسطة حمله في بدء وجوده وَهْناً عَلى وَهْنٍ وضعفا على ضعف إذ كلما ازداد نشوه ونماؤه في بطنها قد ازداد ضعفها الى ان انفصل عنها وبعد انفصاله تداوم لحفظه وحضانته الى فطامه

<<  <  ج: ص:  >  >>