للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِصالُهُ فطامه انما هو فِي عامَيْنِ وبعد ما انفطم تلازم ايضا على حفظه الى وقت بلوغه وبعد ما قد بلغ سن التكليف قلنا له أَنِ اشْكُرْ لِي ايها المكلف المتنعم بأنواع النعم منى اصالة وتسببا لأني قد خلقتك واظهر تك من كتم العدم ولم تك شيأ وَاشكر ايضا لِوالِدَيْكَ واخفض لهما جناح الذل من الرحمة لإقامتهما على حفظك وحضانتك الى ان كبرت وبلغت مرتبة اشدك وكمال عقلك ورشدك واعلم ان شكرك إليهما راجع إِلَيَّ ايضا إذ انا قد اقدرتهما ومكنتهما على حفظك وألقيت انا المحبة بالنسبة إليك في قلبهما وبالجملة الى الْمَصِيرُ والمرجع في عموم الأفعال الصادرة من العباد ظاهرا إذ هم وما صدر عنهم من الأفعال والأعمال مستندون إلينا أولا وبالذات كيف لا تستند أفعالهم إلينا إذ جميع ما صدر من العباد ظاهرا تابع لوجوداتهم مترتب عليها والحال انه ليس لهم وجود في أنفسهم بل وجوداتهم انما هي رشحة من رشحات وجودنا الحق وفيء من اظلال اوصافنا وأسمائنا الذاتية

وَبعد ما قد أكدنا عليكم ايها المكلفون حفظ حقوق والديكم وبالغنا فيه إِنْ جاهَداكَ يعنى والديك ايها المكلف واجتهدا في شانك وبالغا في الجهد والسعى الى ان قاتلا معك وأرادا مقتك وهلاكك عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي وتعتقد ربا سواي وتعبده مثل عبادتك إياي مع انك أنت في نفسك خالي الذهن ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ يتعلق بنفي الشريك ولا بإثباته ايضا فَلا تُطِعْهُما بحال من الأحوال في أمرهما هذا وسعيهما فيه إذ اصل فطرتك مجبولة على التوحيد من لدنا سواء تعلق علمك به او لم يتعلق فلك ان لا تطيعهما بل تنصرف عن أمرهما هذا وَمع انصرافك عن أمرهما هذا صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا وان كانا مشركين مَعْرُوفاً مستحسنا عقلا وشرعا ومروة حفظا لحقوقهما وَبالجملة لا تتبع بشركهما وكفرهما مطلقا بل اتَّبِعْ في الدين والملة سَبِيلَ مَنْ أَنابَ ورجع إِلَيَّ ودين من توجه نحوي موحدا إياي بريئا من الشرك مطلقا وبالجملة امض على التوحيد واسلك طريقه ما دمت في دار الابتلاء ثُمَّ اعلم انكم بعد ما انقرضت النشأة الاولى إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ تابعا ومتبوعا موحدا ومشركا أصلا وفرعا فَأُنَبِّئُكُمْ حينئذ وأخبركم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ اى بتفاصيل أعمالكم التي قد صدرت عنكم في دار الاختبار واجازيكم على مقتضاها ان خيرا فخير وان شرا فشر وبعد ما قد سجل لقمان على ابنه توحيد الحق بنفي ضده على وجه المبالغة والتأكيد أراد ان ينبه عليه بانه لا بد له ان يحفظ على نفسه الأدب مع الله في كل الأحوال بحيث لا يصدر عنه شيء يخالف توحيده ولا يلائمه ولو كان مقدار ذرة حقيرة إذ لا يعزب عن حيطة حضرة علمه المحيط من أفعاله شيء فقال ايضا مناديا

يا بُنَيَّ إِنَّها اى الخصلة الذميمة التي قد أتيت أنت بها المنافية للتوحيد او الخصلة الحميدة الملائمة له لا يعزب كلاهما عن علم الله المحيط مطلقا بعموم الكوائن والفواسد الكائنة في الأنفس والآفاق وبالجملة إِنْ تَكُ أنت فرضا وكذا ما جئت به من الخصلة الذميمة او الحميدة في صغر الجثة او الوزن والمقدار مِثْقالَ حَبَّةٍ واحدة مقدرة كائنة مِنْ خَرْدَلٍ إذ هي مثل في الحقارة والصغر فَتَكُنْ تقع وتحصل أنت بعد ما جئت بها فِي صَخْرَةٍ اى في جوفها وهي أخفى الموضع واستر الأمكنة أَوْ فِي أعلى السَّماواتِ وفوقها وهو ما وراء الفلك الأطلس أَوْ فِي أسفل الْأَرْضِ وقعرها وبالجملة ان كنت في أخفى الأماكن واحفظها يَأْتِ بِهَا اى بك وبخصلتك التي قد صدرت عنك اللَّهُ الرقيب عليك في جميع حالاتك ويجازيك بمقتضاها ان

<<  <  ج: ص:  >  >>