للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منكر عند جمهور العقلاء بل عند عموم الحيوانات ايضا حتى ان الكلب يتأذى من صوته ويفزع منه عند سماعه من غاية تأثر وتألم به وبالجملة إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ وأوحشها واقرعها الآذان لَصَوْتُ الْحَمِيرِ وكيف تشبهون انفسكم ايها المجبولون على الشرف والكمال الى أدون الحيوانات وأرذل المخلوقات وأنزلها رتبة. ثم أشار سبحانه الى شرف الإنسان وعلو رتبته وسمو مكانته فقال

أَلَمْ تَرَوْا ولم تعلموا ايها المجبولون على الدرية والدراية أَنَّ اللَّهَ الحكيم المتقن في عموم أفعاله قد سَخَّرَ لَكُمْ وسهل عليكم تتميما لفضلكم وكرامتكم جميع ما فِي السَّماواتِ اى العلويات التي هي علل واسباب وفواعل وان كانت معلولات في أنفسها ومسببات في حدود ذواتها وَكذا عموم ما فِي الْأَرْضِ اى السفليات التي هي مسببات عن العلويات وقوابل لما يفيض عنها بطريق جرى العادات الإلهية ليحصل من امتزاجها ما يعيشون به مترفهين متنعمين من انواع الفواضل والنعم وَبالجملة قد أَسْبَغَ اكثر وأوفر سبحانه عَلَيْكُمْ ايها المجبولون على الكرامة الفطرية والكمال الجبلي نِعَمَهُ ظاهِرَةً تدركون بها ظواهر الآيات من المبصرات والمسموعات والملموسات والمشمومات والمذوقات وَباطِنَةً تدركون بها سرائر المعلومات واسرار المعقولات وتنكشفون بها الى المعارف والحقائق الفائضة على قلوبكم التي قد اودعها الله العليم الحكيم في بواطنكم كل ذلك ليسع فيها وينزل عليها سلطان وحدته الذاتية السارية في ظواهر الأكوان وبواطنها الكائنة ازلا وابدا مع انه سبحانه لا يسع في سعة السموات والأرض وان فرض لها أضعاف أضعاف وآلاف آلاف من السعة بل يسع في قلب عبده العارف المؤمن الموقن المنكشف بوحدته الذاتية الظاهرة المتجلية على صفائح عموم ما ظهر وبطن وغاب وشهد وَمع ظهور وحدته سبحانه في ذاته واستقلاله في اظهار المظاهر الكامنة ازلا وابدا مِنَ النَّاسِ المجبولين على الجدال والنسيان المنهمكين في بحر العناد والطغيان مَنْ يُجادِلُ فِي توحيد اللَّهَ المتوحد المتفرد بالالوهية والربوبية المستقل بالتصرف في ملكه وملكوته ارادة واختيارا ويثبت له شريكا سواه ويعبده كعبادته مع ان جداله هذا ما يستند الى سند يصلح للاستناد بل بِغَيْرِ عِلْمٍ ودليل عقلي فاض عليه يمكن التوصل به الى اثبات ادعائه بطريق النظر والاستدلال وَلا هُدىً وكشف صريح لدنى قد نبع من قلبه بلا افتقار الى مقدمات الوسائل العادية التي يستنتج منها المطالب وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ ودليل نقلي ينور خلده ويعده لفيضان المعارف والحقائق من المبدأ الفياض بل ما نشأ عموم ما نشأ منه من الدعاوى والمجادلات الا من محض التقليد والتخمين الحاصل من متابعة القوى الوهمية والخيالية الغالبة المستولية على القوى العقلية الفطرية التي هي من بدائع الودائع الإلهية المودعة في قالب الإنسان المصور على صورة الرحمن

وَلذلك إِذا قِيلَ لَهُمُ على سبيل العظة والتذكير امحاضا للنصح اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ المصلح لأحوالكم من الدين والكتاب المشتمل على انواع الرشد والهداية والنبي المؤيد من عنده المبعوث إليكم لهدايتكم وإصلاحكم قالُوا في الجواب ما نتبع بمفترياتكم المستحدثة التي قد ابتدعتموها أنتم من تلقاء انفسكم ونسبتموها الى الله تغريرا وترويجا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا إذ هو مستمر قديم فنحن بأثرهم متبعون وبدينهم راضون متخذون قل لهم يا أكمل الرسل نيابة عنا أَيتبعون آباءهم أولئك الضالون المسرفون وَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ المغوى المضل إياهم يَدْعُوهُمْ وآباءهم ايضا الى الباطل ليصرفهم عن

<<  <  ج: ص:  >  >>