للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحق ويوصلهم إِلى عَذابِ السَّعِيرِ قد أعد سبحانه له ولمتابعيه ولمن يقتفى اثره ويقبل منه دعوته ووسوسته. ثم قال سبحانه

وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ الذي يلي الحق إِلَى اللَّهِ ويخلص في توجهه نحوه سبحانه وَالحال انه هُوَ مُحْسِنٌ مع الله نفسه بتوفيق الله وتيسيره ناظر الى الله سبحانه مطالع بوجهه الكريم فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بل تمسك وتشبث بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى التي لا انفصام لها ألا وهي حبل الله الممدود من أزل الذات الى ابد الأسماء والصفات ومن تمسك بها فقد فاز بكنف حفظه وجواره وأمن من شر الشيطان وغوائله وتضليلاته عن طريق الحق وصراطه المستقيم وَكيف لا إِلَى اللَّهِ المستجمع لجميع الأسماء والصفات المظهرة المرتبة لما في الكائنات لا الى غيره من الوسائل والاظلال العادية عاقِبَةُ الْأُمُورِ ومصيرها ومن تشبث بحبل الله مخلصا فقد لحق بخلص أوليائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون

وَمَنْ كَفَرَ واعرض عن التشبث بحبل توفيقه سبحانه وانصرف عن الاستمساك بدلائل وحدته وشواهد استقلاله في آثاره فَلا يَحْزُنْكَ يا أكمل الرسل كُفْرُهُ واعراضه عنا وعن مقتضى الوهيتنا وربوبيتنا إذ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ومصيرهم كما ان منا مبدأهم ومنشأهم فَنُنَبِّئُهُمْ ونخبرهم ونفصل عليهم بِما عَمِلُوا بعد ما رجعوا إلينا ونجازيهم على مقتضاه بلا فوت شيء مما صدر عنهم وكيف لا يجازون بأعمالهم ولا يحاسبون عليها إِنَّ اللَّهَ المطلع على عموم ما ظهر وبطن من ذرائر الأكوان عَلِيمٌ يحيط حضرة علمه المحيط بِذاتِ الصُّدُورِ وخفيات الأمور وان دقت ولطفت بحيث لا يعزب عن حيطة حضرة علمه شيء قل لهم يا أكمل الرسل نيابة عنا لا يغتروا بامهالنا وتمتيعنا إياهم وعدم التفاتنا نحوهم وعدم انتقامنا منهم ولا يحملوا امهالنا على الإهمال إذ

نُمَتِّعُهُمْ زمانا قَلِيلًا ومدة يسيرة تسجيلا للعذاب عليهم وتغريرا لهم ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ بعد بطشنا إياهم إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ لا عذاب أشد منه لغلظ غشاوتهم وقساوتهم

وَكيف لا نأخذ أولئك المكابرين المعاندين مع انهم لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ سؤال اختبار والزام مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وأوجد العلويات وما فيها من الكواكب والبروج وانواع الفجاج وَالْأَرْضَ ومن عليها وما عليها مما لا يعد ولا يحصى لَيَقُولُنَّ في الجواب مضطرين حاصرين مخصصين اللَّهُ إذ لا يسع لهم اسناد خلقها وإيجادها الى غير سبحانه لظهور الدلائل والشواهد المانعة من الاسناد الى غيره سبحانه قُلِ يا أكمل الرسل بعد ما اعترفوا بان الموجد للعلويات والسفليات ليس الا الله سبحانه بالأصالة والاستقلال الْحَمْدُ لِلَّهِ قد اعترفتم بتوحيد الله مع انكم اعتقدتم خلافه وبالجملة قد لزمكم بقولكم هذا توحيد الحق بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ لزومه ولا يفهمون استلزامه لذلك ينكرون له ويشركون معه غيره عنادا واستكبارا تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا وكيف لا يعلمون ويفهمون مع انه

لِلَّهِ الواحد الأحد المستحق للالوهية والربوبية وفي حيطة حضرة علمه وقبضة قدرته وتحت تصرفه عموم ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى العلويات والسفليات والممتزجات سواء علموا وحدته واستقلاله في ملكه او لم يعلموا واعتقدوا توحيده او لم يعتقدوا إذ لا يرجع له سبحانه نفع من اعتقادهم وضر من عدمه بل نفع اعتقادهم وايمانهم انما يرجع إليهم وضر كفرهم وشركهم ايضا كذلك إذ هو سبحانه منزه في ذاته عن ايمان المؤمن وكفر الكافر وكذا عن فسق العاصي وزهد المطيع إِنَّ اللَّهَ المستغنى عن عموم ما ظهر وما بطن هُوَ الْغَنِيُّ المقصور على الغنى الذاتي بالاستحقاق الذاتي الْحَمِيدُ بمقتضى أوصافه الذاتية وأسمائه الحسنى التي بها ظهر ما ظهر

<<  <  ج: ص:  >  >>