للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبطن ما بطن سواء نطقت بجملته ألسنة مظاهره واظلاله أو لم تنطق إذ هو في ذاته متعال عن النقص والاستكمال واستجلاب النفع وإجلال الغير مطلقا ثم لما أمرت اليهود وفد قريش بان يسئلوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قوله تعالى وما أوتيتم من العلم الا قليلا كيف قال سبحانه هذا مع انا قد انزل إلينا التوراة وفيها علم كل شيء ظاهرا وباطنا رد الله عليهم حصرهم علم الحق بالتوراة بل بعموم الكتب والصحف المنزلة من عنده على عامة الرسل وكافة الأنبياء إذ كل ما دخل في حيطة الإنزال والإتيان متناه وحضرة علمه سبحانه في نفسه غير متناه ولا نسبة بين المتناهي وغير المتناهي بل علمه سبحانه بالنسبة الى معلوم ومقدور واحد مشخص معين باعتبار شئونه وتطوراته غير متناه فكيف بعموم المعلومات والمقدورات فقال سبحانه بمقتضى استعداد من على الأرض وحسب قابليتهم وبقدر عقولهم مبينا لهم عدم نهاية حضرة علمه منبها عليهم

وَلَوْ أَنَّ جميع ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ وهي كل ماله ساق من هذا الجنس أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ المحيط الذي هو عبارة عن كرة الماء الكائن الطائف حول الأرض يَمُدُّهُ ويصير مدادا لها وحبرا لثبتها ومدها بل فرض ايضا مِنْ بَعْدِهِ اى بعد نفاد البحر المحيط سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مثلا محيطات كذلك تشيعه وتمد مده فكتبت بهذه الأقلام والمداد المذكورة على الدوام كلمات الله العليم العلام القدوس السلام ما نَفِدَتْ وما تناهت وما تمت مطلقا كَلِماتُ اللَّهِ وتنفد المداد والأقلام المذكورة بل وان فرض أمثالها واضعافها وآلافها ابدا مدادا وأقلاما كذلك إذ الأمور الغير المتناهية لا تقدر بمقدار متناه ولا تكال بمكيال مقدر وكيف يكال ويقدر علمه سبحانه إِنَّ اللَّهَ المتعزز برداء العظمة والكبرياء عَزِيزٌ غالب قادر على ما جرى في حضرة علمه المحيط مع انه لا نهاية لمعلوماته حَكِيمٌ لا ينتهى حكمته وقدرته بالنسبة الى مقدور دون مقدور بل له التصرف في كل واحدة من مقدوراته ومراداته الى ما لا يتناهى ازلا وابدا إذ لا يكتنه طور علمه وخبرته وحكمته وقدرته مطلقا ومن جملة مقدوراته الصادرة منه سبحانه بمقتضى حكمته ارادة واختيارا خلقكم وايجادكم أولا على سبيل الإبداع بمقتضى اللطف والجمال واعدامكم ثانيا على مقتضى القهر والجلال واعادتكم وبعثكم ثالثا إظهارا للحكم الموعود في هوياتكم وأشباحكم والمصلحة المندرجة في ايجادكم واظهاركم والمحجوبون المقيدون بسلاسل الازمنة والساعات والآنات يتوهمون بين الأطوار الثلاثة والنشآت المتعاقبة أمدا بعيدا وازمنة متطاولة وعند الله بعد ما تعلق ارادته ونفذ قضاؤه وصدر عنه الأمر بقوله كن يكون الكل مقضيا بلا تراخ ومهلة في اقصر مدة من آن وطرفة ولمحة إذ لا يشغله سبحانه شأن عن شأن ولا يقدر أفعاله زمان ومكان لذلك قال سبحانه

ما خَلْقُكُمْ واظهاركم في فضاء الوجود في النشأة الاولى وَلا بَعْثُكُمْ وحشركم في المحشر في النشأة الاخرى بعد ما انقرضتم عن الاولى إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ يعنى ايجادكم جملة أولا وبعثكم ثانيا كذلك في جنب قدرتنا وارادتنا كايجاد نفس واحدة بلا تفاوت إذ متى صدر عنا قولنا كن اشارة منا الى خلقكم وبعثكم جملة فيكون الكل مقضيا في الحال ككون نفس واحدة إِنَّ اللَّهَ المطلع لسرائر ما ظهر وبطن سَمِيعٌ لعموم ما صدر عن ألسنة استعدادتهم وقابلياتهم بَصِيرٌ بعموم ما قد لاح عليهم من اشراق نور الوجود وكيف لا يطلع سبحانه بجميع الكوائن والفواسد

أَلَمْ تَرَ ايها الرائي المتأمل المتدبر أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ ويدخل اللَّيْلَ اى أجزاء منه فِي النَّهارِ ويطيله بها في الربيع تتميما لتربية أرزاقكم واقواتكم

<<  <  ج: ص:  >  >>