للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُولِجُ ايضا في الخريف النَّهارِ اى اجزاءه فِي اللَّيْلِ ويطيله بها تقوية وتعميرا واعدادا للأرض لتربية ما حدث منها ونبت عليها وَبالجملة قد سَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لمصلحة معاشكم وتربية نفوسكم الى حيث كُلٌّ يَجْرِي ويدور بامره وتتم دورته بحكمه إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قد عينه الله سبحانه وسماه من عنده بمقتضى حكمته تربية لعباده وتقويما لأمزجتهم ليشتغلوا على ما جبلوا لأجله وَاعلموا ايها المجبولون على فطرة المعرفة والتوحيد أَنَّ اللَّهَ المراقب عليكم في عموم حالاتكم بِما تَعْمَلُونَ اى بجميع ما صدر عنكم من الأعمال والأفعال خَبِيرٌ لا يعزب عن خبرته ذرة من ذرائر ما لمع عليه نور الوجود وانما ظهر منه سبحانه كل

ذلِكَ الذي قد سمعت ايها المجبول على فطرة الدراية والعرفان والمترصد لانكشاف سرائر التوحيد والإيقان من بدائع القدرة الإلهية ومن عجائب العلم والارادة وغرائب الشئون والأطوار اللامعة من لوايح لوامع شروق شمس الذات الاحدية ليدل بِأَنَّ اللَّهَ المتجلى على عروش الأنفس والآفاق بالأصالة والاستحقاق هُوَ الوجود المطلق الْحَقُّ الثابت المثبت ازلا وابدا القيوم المطلق الدائم الباقي بلا انقضاء ولا انصرام وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ويدعون الوجود له من العكوس والاظلال الهالكة في شروق شمس الذات هو الْباطِلُ المقصور المنحصر على العدم الصرف والبطلان المستهلك في مضيق الإمكان بأنواع الخذلان والحرمان وَبالجملة اعلموا ايها المتأملون في آثار الوجود الإلهي المتحققون بوحدة ذاته وكثرة شئونه وتطوراته حسب أسمائه وصفاته أَنَّ اللَّهَ المستقل بالالوهية والربوبية المستحق لانواع التذلل والعبودية إياه هُوَ الْعَلِيُّ بذاته لا بالإضافة الى غيره إذ لا غير معه الْكَبِيرُ في شئونه وتطوراته حسب تجلياته الجمالية والجلالية واللطفية والقهرية وكيف لا يستقل سبحانه بتصرفات ملكه وملكوته

أَلَمْ تَرَ ايها الرائي المعتبر المستبصر أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ حاملة بِنِعْمَتِ اللَّهِ المنعم المفضل عليكم بمقتضى لطفه وسعة جوده لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ الدالة على توحيده لتتفطنوا منها الى وحدة ذاته إِنَّ فِي ذلِكَ الإجراء والإمداد بالرياح المعينة لجريها والحفظ من الغرق والهلاك لَآياتٍ دلائل قاطعات وشواهد ساطعات لِكُلِّ صَبَّارٍ قد صبر على متاعب ما جرى عليه من القضاء شَكُورٍ لما وصل اليه من الآلاء والنعماء

وَمن كمال صبرهم وشكرهم إِذا غَشِيَهُمْ وغطاهم أحيانا مَوْجٌ عظيم هائل واستعلى مغلقا عليهم كَالظُّلَلِ المغطية إياهم من الجبال والسحب دَعَوُا اللَّهَ الواحد الأحد الفرد الصمد المنجى لهم عن أمثاله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حاصرين التوجه والانقياد نحوه بلا ميل منهم الى الأسباب والوسائل العادية متضرعين نحوه داعين اليه بلا رؤية الوسائل في البين على ما هو مقتضى فطرة التوحيد فَلَمَّا نَجَّاهُمْ سبحانه بفضله عن احوال البحر ومضيقة وأوصلهم إِلَى الْبَرِّ وسعة فضائه سالمين غانمين فَمِنْهُمْ حينئذ مُقْتَصِدٌ معتدل في قصده نحو الحق غير مائل الى طرفي الإفراط والتفريط ومنهم مائل عن الاعتدال منحرف عنه ساع الى تحصيل ما يضاده ويخالفه وَبالجملة ما يَجْحَدُ وينكر منهم بِآياتِنا الدالة على وحدة ذاتنا وكمالات أسمائنا وصفاتنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ غدار ناقض للعهد الفطري والميثاق الجبلي كَفُورٍ للآلاء والنعماء المترادفة المتدالية صروف لها الى ما لا يعنى الله ولا يأمره

يا أَيُّهَا النَّاسُ المجبولون على الكفران والنسيان المشغوفون على البغي والعدوان اتَّقُوا رَبَّكُمْ الذي قد أظهركم من

<<  <  ج: ص:  >  >>