للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حوله حتى تسلموا من يد الأعادي وَبعد ما سمع المؤمنون قول أولئك المنافقين الآمرين بالارتداد والرجوع صاروا مترددين متزلزلين في دينهم وأدّى أمرهم في التزلزل والتذبذب الى حيث يَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ حيث يَقُولُونَ معتذرين معللين للرجوع والذب عن حول النبي صلّى الله عليه وسلم إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ غير حصينة خالية من المحافظ المراقب فأذن لنا حتى نرجع الى بيوتنا ونستحفظها وَالحال ان بيوتهم ما هِيَ بِعَوْرَةٍ بل هي حصينة محفوظة لا خلل فيها بل إِنْ يُرِيدُونَ وما يقصدون من هذا القول المزور إِلَّا فِراراً عن الزحف واعراضا عن الدين القويم

وَمن غاية ضعفهم في الدين وعدم تثبتهم ورسوخهم في الاعتقاد واليقين لَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ المدينة وحبست مِنْ أَقْطارِها وحصنت من جميع جوانبها بحيث لم يمكن الظفر عليها لا لهؤلاء الأحزاب ولا لغيرهم ايضا من عساكر الأعادي بل من أضعافهم وآلافهم ثُمَّ بعد ما تحصنت عليهم بيوتهم كذلك وصاروا آمنين من ظفر العدو مطلقا سُئِلُوا الْفِتْنَةَ اى ان طلب احد منهم إيقاع الفتنة بين المؤمنين والهزيمة والفرار من الزحف والارتداد عن الايمان والإسلام وعن النصر للمؤمنين لَآتَوْها البتة هؤلاء الجهلة الضعفة المتمائلون الى الكفر ومواخاة الكفرة عن صميم فؤادهم وجاءوا بالفتنة والفرار وبالردة عن الدين وبالقتال مع المسلمين على الفور وَما تَلَبَّثُوا وتوقفوا بها اى بإتيان الفتنة والردة بعد ما سئلوا عنها وطولبوا بِها إِلَّا يَسِيراً اى آنا واحدا لا زمانا بل مقدار ما يفهمون سؤال السائل ومقصوده منه وكيف لا يؤتونها

وَهم في أنفسهم لَقَدْ كانُوا يعنى بنى حارثة وبنى سلمة منهم قد عاهَدُوا اللَّهَ عهدا وثيقا مؤكدا مِنْ قَبْلُ اى قبل حفر الخندق وذلك في يوم احد حين أرادوا ان يفشلوا عن رسول الله وقد تخلفوا عنه يوم بدر فلما رأوا ما اعطى الاحديون والبدريون من الكرامة العظيمة عاجلا وآجلا قالوا معاهدين لئن اشهدنا الله قتالا فلنقاتلن وحلفوا غليظا شديدا لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ أصلا فالآن قد تذبذبوا وتضعضعوا وكادوا ان يولوا وَلم يعلموا انه قد كانَ عَهْدُ اللَّهِ الذي قد عهدوا معه سبحانه من قبل مَسْؤُلًا عنه وعن نقضه ووفائه وهم مجزيون بمقتضى ما ظهر منهم من النقض والوفاء

قُلْ لهم يا أكمل الرسل بعد ما قد تحقق عندك قصد فرارهم وانهزامهم وذبهم عنك لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ ابدا بل إِنْ فَرَرْتُمْ من ضعف يقينكم ووهن اعتقادكم مِنَ الْمَوْتِ حتف الأنف كما يفر عوام الناس من الطاعون والوباء والزلزلة وغير ذلك من الابتلاءات الإلهية أَوِ الْقَتْلِ في يوم الوغاء وَإِذاً يعنى بعد ما تفرون حينئذ لا تُمَتَّعُونَ تمتيعا كثيرا مؤبدا بل ما تمتعون إِلَّا قَلِيلًا في زمان قليل إذ لكل منكم أجل مقدر عنده سبحانه ولكل أجل قضاء وانقضاء ومضاء ولا دوام الا لمن هو متعال عن مطلق الأجل والقضاء والانقضاء منزه عن توهم الابتداء والانتهاء وعن الإعادة والإبداء مقدس عن تعديد الازمنة وتحديد الأمكنة مطلقا وان جادلوا معك يا أكمل الرسل وعاندوا بالفرار والتحصن للنجاة من العدو وإهلاكه بحيث لا تبقى لهم يد علينا

قُلْ لهم يا أكمل الرسل على سبيل التبكيت والإلزام مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ اى يحفظكم ويحرزكم مَنْ قهر اللَّهِ المنتقم الغيور وعذابه إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً واصابة بلاء وشدة ومحنة أَوْ من ذا الذي يمنع عنكم لطفه سبحانه ان أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً عطفا ومحبة وَبالجملة لا يَجِدُونَ أولئك المتذبذبون المتضعضعون لَهُمْ اى لأنفسهم

<<  <  ج: ص:  >  >>