للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها عنادا وإفسادا لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ولنأمرنك يا أكمل الرسل بقتالهم واجلائهم ولنسلطنك عليهم بإقامة الحدود الشديدة والتعزيرات البليغة بحيث لا يمكنهم التمكن والاقامة فيها ويضطرون الى الجلاء ثُمَّ بعد ما قد وضعنا الحدود وامرناك بإقامتها وإجرائها لا يُجاوِرُونَكَ فِيها اى لا يستطيعون ولا يقدرون بمجاورتك في المدينة إِلَّا قَلِيلًا زمانا يسيرا يستعدون فيه للبعد والجلاء ويهيئون فيه اسباب الهرب والهزيمة من بين المسلمين والفرار عنهم والى اين يفرون ويهربون أولئك المطرودون المردودون حتى لا يؤاخذون ولا يؤسرون وهم قد كانوا بين المؤمنين

مَلْعُونِينَ مطرودين مبعدين عن روح الله وعن كنف جوار رسول الله وجوار المؤمنين لكونهم مؤذين متعرضين لعوارت المسلمين الباهتين المفترين اياهن ببهتان عظيم والمتصفون بهذه الأوصاف المذمومة والديدنة المستهجنة أَيْنَما ثُقِفُوا ووجدوا أُخِذُوا وأسروا وَان لم يمكن اسرهم قُتِّلُوا تَقْتِيلًا شديدا بحيث استوصلوا بالمرة واستئصال أمثال هذه الغواة المطرودين المردودين ليس ببدع من الله بل قد كان هذا

سُنَّةَ اللَّهِ القدير الحكيم المستمرة القديمة التي قد سنها سبحانه فِي انتقام مطلق المؤذين المفترين الَّذِينَ خَلَوْا ومضوا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ أنت يا أكمل الرسل لِسُنَّةِ اللَّهِ المستمرة الجارية حسب حكمته المتقنة البالغة تَبْدِيلًا اى لا يبدل حكمه ولا يغير حكمته بل له ان يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. ثم نبه سبحانه على حبيبه صلّى الله عليه وسلّم بما سيسأل عنه الكافرون تهكما واستهزاء وأشار سبحانه الى جواب سؤالهم تعليما له صلّى الله عليه وسلّم وإرشادا فقال

يَسْئَلُكَ يا أكمل الرسل النَّاسُ الناسون عهودهم التي عهدوا مع الله في مبدأ فطرتهم عَنِ السَّاعَةِ التي قد أخبرت أنت بها وبقيامها بمقتضى الوحى الإلهي والهامه كما اخبر بها سائر الرسل الكرام والأنبياء الأمناء العظام صلوات الله عليك وعليهم الى يوم القيام مستهزئين معك سائلين عن تعيين وقتها وقيامها أقريب هي أم بعيد قُلْ لهم يا أكمل الرسل بعد ما اقترحوا عليك عنها إِنَّما عِلْمُها وعلم قيامها وتعيين وقتها وزمان إلمامها عِنْدَ اللَّهِ المطلع العليم الحكيم لا يطلع أحدا عليها من خلقه بل هي من جملة الغيوب التي قد استأثر الله بها في علم غيبه بل قد اخبر واوحى سبحانه بعموم أنبيائه ورسله بوقوعها حتما وأبهم تعيين وقتها عليهم فمجرد تحقق وقوعها يكفى في الخوف من أهوالها وافزاعها وشدائدها وعذابها وَبعد ما قد اخبر سبحانه بوقوعها وأبهم وقتها ما يُدْرِيكَ وما يطلعك ايها المخاطب تعيينها ومن انى لك ان تبعدها او تنكر وقوعها لَعَلَّ السَّاعَةَ المعهودة الموعودة تَكُونُ قَرِيباً تقع عن قريب فلم لم تتزود لها ولم تتهيأ اسبابها ايها المغرور بالدنيا الدنية وأمتعتها الفانية ولذاتها المتناهية وبالجملة

إِنَّ اللَّهَ المنتقم عن عصاة عباده قد لَعَنَ رد وطرد عن ساحة عز حضوره وقبوله الْكافِرِينَ المصرين على انكار يوم الجزاء وعلى تكذيب الأمور الواقعة فيه وَأَعَدَّ لَهُمْ قهرا عليهم وزجرا سَعِيراً مسعرا مملوا من النار المسعرة

خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يتحولون عنها أصلا لا بأنفسهم ولا بواسطة شفعائهم إذ يومئذ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا يتولى أمرهم وينقذهم منها وَلا نَصِيراً ينصرهم ويعين عليهم لإخراجهم عنها اذكر يا أكمل الرسل

يَوْمَ تُقَلَّبُ وتصرف وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يعنى من جهة الى جهة اخرى تشديدا لعذابهم يَقُولُونَ حينئذ متمنين متحسرين يا لَيْتَنا قد أَطَعْنَا اللَّهَ الواحد الأحد الفرد الصمد بمقتضى ما قد اخبر علينا الأنبياء والرسل وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا المبعوث إلينا المنذر بنا عن أمثال هذه العقوبات

<<  <  ج: ص:  >  >>