للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغرائبه أَمْ بِهِ جِنَّةٌ خبط واختلال قد عرض دماغه فأفسده فيتكلم بأمثال هذه الهذيانات هفوة بلا قصد وشعور بها كما يتكلم بأمثالها سائر المجانين وسماها وحيا وإلهاما تغريرا وإلزاما. ثم لما بالغ المشركون المفرطون في قدحه وطعنه صلّى الله عليه وسلّم وتجهيله وتخبيطه رد الله عليهم بانه لا افتراء ولا مراء في كلامه صلّى الله عليه وسلّم وفي مطلق اخباره ولا خبط ولا اختلال في عقله ولا جنون له بل هو صلّى الله عليه وسلّم من اعقل الناس وارشدهم وابعدهم عن الافتراء والمراء وأسلمهم عن الكذب وسائر الآراء والأهواء ومن عموم الكدورات الطبيعية مطلقا بَلِ الكافرون الضالون المفرطون الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ولا يعتقدون بالأمور التي قد اخبر الله بها وبوقوعها فيها ولا يصدقون بها ولا يمتثلون بما نطق به الكتب والرسل مطلقا هم يخلدون في النشأة الاخرى فِي الْعَذابِ المؤبد المخلد وَهم متوغلون في الضَّلالِ الْبَعِيدِ عن الهداية بمراحل ابد الآبدين ولا نجاة لهم منها وبالجملة من شدة غيهم وضلالهم تكلموا بأمثال هذه الهذيانات الباطلة سيما بالنسبة الى من هو منزه عن أمثالها مطلقا عنادا ومكابرة. ثم أشار سبحانه الى كمال قدرته سبحانه واقتداره على انتقام عموم المكذبين ليوم الحشر والجزاء والمفترين على رسوله على سبيل المراء من الخبط والجنون وغير ذلك من الأمور التي لا يليق بشأنه صلّى الله عليه وسلّم فقال مستفهما على سبيل التقريع والتوبيخ

أَهم قد عموا وفقدوا لوازم أبصارهم وبصائرهم اى أولئك المعاندون المفرطون فَلَمْ يَرَوْا ولم ينظروا ولم يبصروا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ المحيطة بهم خلفا ووراء وَالْأَرْضِ الممهدة لهم بين أيديهم يتمكنون عليها ويتنعمون بمستخرجاتها ومما نزل عليها من السماء وعالم الأسباب ولم يتفكروا ولم يتأملوا ان احياء الموتى أهون من خلق الأرض والسموات العلى والقدرة على ايجادهما أكمل من القدرة على اعادة المعدوم فينكرون قدرتنا عليها مع انهم قد رأوا وشاهدوا منا أمثال هذه المقدورات العظام ولم يخافوا عن بطشنا وانتقامنا ولم يعلموا انا من مقام قهرنا وجلالنا إِنْ نَشَأْ إهلاكهم واستئصالهم نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ كما قد خسفنا على قارون وأمثاله أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً بالتحريك والتسكين على القرائتين اى قطعا مِنَ السَّماءِ فنهلكهم بها إِنَّ فِي ذلِكَ البيان على وجه التقريع والتعيير لَآيَةً دالة على قدرتنا وقهرنا على انتقام من خرج عن ربقة عبوديتنا لِكُلِّ عَبْدٍ تحقق بمقام العبودية وفوض أموره كلها إلينا مُنِيبٍ رجع نحونا هاربا من مقتضيات قهرنا وجلالنا وبعد ما قد عرفت ان الكل منا بدأ وبحولنا وقوتنا ظهر ولاح وقد عاد ايضا كما بدأ إذ منا المبدأ وإلينا المنتهى وليس سوانا مقصد ومرمى

وَمن كمال قدرتنا وفور حولنا وحكمتنا لَقَدْ آتَيْنا عبدنا داوُدَ المتحقق بمقام الخلافة والنيابة والحكومة التامة مِنَّا فَضْلًا له وامتنانا عليه مما لم نتفضل بأمثاله الى سائر الأنبياء وهو انا قد أمرنا عموم الجمادات والحيوانات بإطاعته وانقياده الى ان قلنا مناديا لها يا جِبالُ أَوِّبِي ورجعي مَعَهُ التسبيح وسيرى معه حيث سار ولا تخرجي عن حكمه وامره فانقادت له الجبال بحيث متى سبح سمع منها التسبيح والتذكير والى حيث سار قد سارت معه وَكذا قد سخرنا له الطَّيْرَ وصارت تنقاد لحكمه وامره كسائر العقلاء فيحكم عليها ويأمر لها ما شاء وأراد فامتثلت هي بامره واطاعت بحكمه بلا منع وإباء وَمن جملة ما قد فضلنا عليه انا قد أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ بلا نار ومطرقة حيث جعلناه لينا في يده كالشمعة كان يبدله كيف يشاء

<<  <  ج: ص:  >  >>