للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبلغتم المرتبة القصوى منه ما أديتم حق شكره إذ قَلِيلٌ نزير يسير في غاية القلة مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ لأنه وان استوفى واستوفر في ادائه بحيث يستوعب عموم أركانه وجوارحه وجوانحه وجميع خواطره وهواجس نفسه وسره ونجواه في عموم أوقاته وساعاته ومع ذلك لا يوفى حقه إذ توفيقه واقداره سبحانه عليه ايضا نعمة اخرى مستحقة للشكر مستدعية إياه وهلم جرا لا الى نهاية ولذا قيل الشكور من يرى نفسه عاجزا عن الشكر إذ لا يمكن الإتيان به على وجه لا يترتب عليه نعمة اخرى مستلزمة لشكر آخر. ثم لما كان داود عليه السلام قد أسس بيت المقدس في موضع فسطاط موسى عليه السلام فمات قبل إتمامه فوصى بإتمامه الى سليمان عليه السلام فاستعمل الجن فيه فلم يتم ايضا إذ قد اخبر عليه السلام من قبل الحق باجله فتغمم غما شديدا لعدم إتمامه البيت فأراد ان يعمى ويستر على الجن موته ليتموه فأمرهم ان يعملوا له صرحا من قوارير له باب فعملوا صرحا كذلك فدخل عليه على مقتضى عادته المستمرة من التحنث والتخلي للعبادة شهرا وشهرين وسنة وسنتين فاشتغل بالصلاة متكئا على عصاه فقبض وهو متكئ عليها فبقى كذلك حتى ان أكلت الارضة عصاه فخر ثم فتحوا عنه وأرادوا ان يعرفوا وقت موته فوضعوا الارضة على العصا فأكلت يوما وليلة مقدارا منها فقاسوا على ذلك فعلموا انه قد مات منذ سنة وكان عمره حينئذ ثلاثا وخمسين سنة وملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة وابتدأ لعمارة البيت لأربع مضين من ملكه وقد اخبر سبحانه في كتابه على هذا الوجه الذي مضى وأوجزه فقال

فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ على سليمان عليه السلام الْمَوْتَ فأخبرناه بموته فدعا نحونا بان نعمى على الجن امر موته حتى يتموا عمارة البيت فأعميناهم موته الى ان قد تمت ثم ما دَلَّهُمْ وما هداهم واشعرهم عَلى مَوْتِهِ وما أخبرهم عنه إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ اى الارضة تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ اى عصاه التي هو متكئ عليها فَلَمَّا اكلتها وانكسرت عصاه خَرَّ وسقط عليه السلام على الأرض فحينئذ قد تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ وظهر دونهم وانكشف امر موته عليهم وعلموا بعد ما التبس الأمر عليهم في موته بخروره وسقوطه فظهر حينئذ للانس ان الجن لم يكونوا من المطلعين على عموم الغيوب على ما زعموا في حقهم لأنهم لو كانوا مطلعين الغيب لعلموا موته أول مرة ولم يعلموا مع أَنْ اى ان الجن لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مطلقا لعلموا امر موته حين وقوعه ولو علموا ما لَبِثُوا وما استقروا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ الذي هو العمل المتضمن لانواع المتاعب والمشاق مع انهم لم يرضوا به لكنهم لبثوا وعملوا سنة بعد موته فظهر انهم ما كانوا عالمين بالغيوب كلها وبعد ما قد ذكر سبحانه قصة آل داود وسليمان ومواظبتهم على شكر نعم الله وأداء حقوق كرمه اردفه سبحانه بكفران اهل سبأ على نعمه سبحانه وانكارهم على حقوق كرمه فقال

لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ اى لأولاد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان فِي مَسْكَنِهِمْ ومواضع سكناهم وهي باليمن يقال لها مأرب بقرب صنعاء مسيرة ثلاثة مراحل آيَةٌ عظيمة ونعمة جسيمة دالة على كمال معطيها وموجدها وعلى اتصافه بالأوصاف الكاملة والأسماء الحسنى الشاملة وهي جَنَّتانِ حافتان محيطتان عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ اى جنة عجيبة عن يمين بلدهم واخرى عن يسارهم وبعد ما قد أعطيناهم هاتين الجنتين العظيمتين المشتملتين على غرائب صنايعنا وبدائع مخترعاتنا قلنا لهم على طريق الإلهام كُلُوا ايها المتنعمون المتفضلون من عندنا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ الذي رباكم بأنواع الكرامات وَاشْكُرُوا لَهُ نعمه وواظبوا على أداء حقوق كرمه مع ان بلدتكم التي أنتم تسكنون فيها بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ماء وهواء بريئة عن مطلق

<<  <  ج: ص:  >  >>