للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الفقراء فيتنحوا عنا ولا يزدحموا علينا وَبالجملة قد ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بطلب هذا التعب فأجاب الله دعاءهم وخرب القرى التي بينهم وبين الشأم وانصرف الفقراء عنهم وانقطع دعاؤهم لهم فاشتد الأمر عليهم وتشتتوا في البلاد ولم يبق عليهم شيء من الخصب والتوسعة بل قد صاروا متشتتين متفرقين فَجَعَلْناهُمْ اى قصة امنهم ورفاهيتهم وجمعيتهم بعد ما قد عكسنا الأمر عليهم أَحادِيثَ لمن بعدهم يتحدثون بينهم متعجبين قائلين على سبيل التحسر في أمثالهم قد تفرق أيدي سبأ وَبالجملة قد مَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ يعنى فرقناهم في البلاد تفريقا كليا الى حيث قد لحق غسان منهم بالشأم وانمار بيثرب وجذام بتهامة والأزد بعمان إِنَّ فِي ذلِكَ التبديل والتشديد والتشتيت وانواع المحن والنقم بعد النعم لَآياتٍ دلائل واضحات على قدرة العليم الحكيم القادر المقتدر على انواع الانعام والانتقام لِكُلِّ صَبَّارٍ على المتاعب والمشاق الواردة عليه حسب ما ثبت له في لوح القضاء الإلهي ومضى على الرضا بمقتضيات تقدير العليم الحكيم شَكُورٍ لنعم الله الفائضة عليه مواظبا على أداء حقوقها. ثم قال سبحانه مقسما

وَالله لَقَدْ صَدَّقَ بالتشديد والتخفيف عَلَيْهِمْ اى على هؤلاء الهالكين في تيه الخسران والكفران إِبْلِيسُ العدوّ لهم المصرّ المستمر على عداوتهم من بدء فطرتهم ظَنَّهُ الذي قد ظن بهم حين قال لأبيهم آدم لأحتنكن ذريته الا قليلا وقال ولا تجد أكثرهم شاكرين وقال ايضا ولأضلنهم ولأمنينهم الى غير ذلك وبعد ما أضلهم عن طريق الشكر والايمان فَاتَّبَعُوهُ وكفروا النعم والمنعم جميعا إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الموقنين بتوحيد الله المصدقين لرسله المتذكرين لعداوة إبليس وخصومته المستمرة فانصرفوا عنه وعن إضلاله فبقوا سالمين عن غوائله

وَالعجب كل العجب انهم قد اتبعوا له وقبلوا اغراءه واغراءه وتغريره مع انه ما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ حجة قاطعة قاهرة ملجئة لهم الى متابعته وقبول وسوسته من قبله بل من قبلنا ايضا وبالجملة ما ابتلينا وأغرينا هؤلاء الغواة البغاة الطغاة بمتابعته لعنه الله إِلَّا لِنَعْلَمَ نميز ونظهر تفرقة مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ وبجميع المعتقدات الاخروية التي قد اخبر الله بها وفصلها مِمَّنْ هُوَ مِنْها اى من النشأة الآخرة والأمور الكائنة فيها فِي شَكٍّ تردد وارتياب ولهذه التفرقة والتميز اتبعناهم اليه لعنه الله وَلا تستبعد يا أكمل الرسل أمثال هذه الابتلاءات والاختبارات من الله إذ رَبُّكَ الذي قد رباك على الهداية العامة والرشد التام عَلى كُلِّ شَيْءٍ من مقدوراته ومراداته الكائنة والتي ستكون والجارية على سرائر عباده وضمائرهم والتي ستجرى حَفِيظٌ شهيد لا يغيب عنه ايمان مؤمن وكفر كافر وشك شاك واخلاص مخلص. وبعد ما قد اثبت المشركون المصرون على كفران نعم الله أمثال هؤلاء الغواة المذكورين آلهة سوى الله سبحانه وسموهم شفعاء وعبدوا لهم مثل عبادته سبحانه

قُلِ لهم يا أكمل الرسل إلزاما وتبكيتا ادْعُوا ايها الضالون المشركون آلهتكم الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنتم وأثبتم مِنْ دُونِ اللَّهِ ليستجيبوا لكم في مهماتكم ويستجلبوا لكم المنافع ويدفعوا عنكم المضار كما هو شأن الألوهية والربوبية وكيف تدعونهم لأمثال هذه المهام مع انهم في أنفسهم لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ من الخير والشر والنفع والضر لا فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ لا استقلالا إذ هم ليسوا في أنفسهم قابلين للالوهية وَلا مشاركة إذ ما لَهُمْ فِيهِما وفي خلقهما وايجادهما مِنْ شِرْكٍ ومشاركة مع الله الواحد الأحد الفرد الصمد في ألوهيته وربوبيته بل هم من جملة مخلوقاته سبحانه

<<  <  ج: ص:  >  >>