للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ عِبادِهِ

تارة بمقتضى مشيته ومراده وَيَقْدِرُ لَهُ اى ينقص ويقبض الرزق عنه تارة اخرى ارادة واختيارا على حسب حكمته ومصلحته التي قد استأثر بها في غيبه وحضرة علمه المحيط وَبعد ما قد سمعتم هذا اعلموا ايها المبسوطون المنعمون ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ مما قد استخلفكم الله سبحانه عليه من الرزق وأمركم بإنفاقه على فقرائه فَهُوَ سبحانه يُخْلِفُهُ ويعوض عنه بأضعافه وآلافه على وفق الحكمة ان صدر عنكم الانفاق في النشأة الاولى بالاعتدال بلا تبذير وتقتير وَكيف لا يخلف الرزق الصوري سبحانه لخلص عباده مع انه هُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ بالرزق الصوري والمعنوي لعباده الخلص وهذا للمخلصين له عن مقتضيات بشريتهم ومشتهيات أهويتهم البهيمية

وَاذكر يا أكمل الرسل لمن عبد الملائكة واتخذوهم أربابا من دون الله مستحقين للعبادة والرجوع في الملمات مثله سبحانه وسموهم شفعاء يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ في المحشر جَمِيعاً العابدين والمعبودين ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ على رؤس الاشهاد تفضيحا للعابدين وتقريعا لهم أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ يعنى أهؤلاء المشركون المسرفون يعبدون إياكم ايها الملائكة كعبادتى بل يخصونكم بالعبادة ويهتمون بشأنكم مزيد اهتمام هل تستعبدونهم أنتم وتسترضون بعبادتهم وتوالون معهم أم هم يعبدونكم من تلقاء أنفسهم

قالُوا اى الملائكة خائفين من بطشه سبحانه مستحيين منه متضرعين نحو جنابه سُبْحانَكَ ننزهك يا مولانا عما لا يليق بشأنك أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ وأنت المراقب علينا المطلع على سرائرنا وضمائرنا المتولى لعموم ما قد صدر عنا وبالجملة أنت تعلم واعلم منا يا مولانا ان لا موالاة بيننا وبينهم إذ لا يخفى عليك خافية ومن اين يسع لنا ويتأتى منا الرضا بأمثال هذه الجرأة والجريمة العظيمة وأنت اعلم ايضا بمعبوداتهم التي قد اتخذوها وأخذوها هؤلاء الغواة الطغاة الهالكون في تيه الجهل والغفلة بعلو شأنك وبشأن الوهيتك وربوبيتك بَلْ هم قد كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ اى الشياطين الداعين لهم الى عبادتهم الراضين منهم بعد ما قيدوا لهم إذ هم قد يتمثلون بصور الملائكة ويدعون الألوهية والربوبية لأنفسهم ويأمرونهم بالعبادة بل أَكْثَرُهُمْ اى كل المشركين وعموم المتخذين لله أندادا بِهِمْ مُؤْمِنُونَ اى بالشياطين وباغوائهم واغرائهم وتغريرهم عابدون لهم متوجهون نحوهم في عموم مهامهم

فَالْيَوْمَ تبلى السرائر وظهر ما في الضمائر وقد لاح سلطان الوحدة الذاتية وانقهر الاظلال والأغيار وظهر ان الأمور كلها مفوضة اليه سبحانه وان كان قبل ذلك ايضا كذلك وقد علمتم الآن انه لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ ايها الاظلال المستهلكة في شمس الذات لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا لا جلبا ولا دفعا ولا لطفا ولا قهرا وَبعد ما قد انقطع عنهم التصرف مطلقا ولم يبق لهم الاختيار لا صورة ولا معنى ولا حقيقة ولا مجازا نَقُولُ بمقتضى قهرنا وجلالنا لِلَّذِينَ ظَلَمُوا وخرجوا عن ربقة عبوديتنا ومقتضيات حدودنا الموضوعة لا صلاح احوال عبادنا ذُوقُوا ايها الضالون المنهمكون في بحر العدوان والطغيان عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ في النشأة الاولى سيما قد أخبرتم على ألسنة الرسل والكتب

وَكيف لا نقول لهم ما نقول إذ هم قد كانوا من عدوانهم وظلمهم على الله ورسله وكتبه إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا الدالة على إصلاح أحوالهم المتعلقة بالنشأتين مع كونها بَيِّناتٍ في الدلالة على أهم مقاصدهم ومطالبهم لو كانوا من ذوى الرشد والهداية قالُوا من شدة شكيمتهم وغيظهم على رسول الله ما هذا المدعى للرسالة والنبوة يعنون الرسول صلّى الله عليه وسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>