للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَّا رَجُلٌ حقير مستبد برأيه مستبدع امرا من تلقاء نفسه يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ ويصرفكم عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ ويستتبعكم بل يستعبدكم بأمثال هذا التلبيس والتغرير وَقالُوا ايضا في حق القرآن ما هذا الذي جاء به إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً وكذب مختلق غير مطابق للواقع قد افتراه على الله تلبيسا وتغريرا على ضعفاء الأنام وَبالجملة قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ الصريح وستروه بالباطل عدوانا وعنادا لَمَّا جاءَهُمْ وحين عاينوا به وعلموا انه من الخوارق العجيبة وقد اضطروا عن معاوضته خائبين حائرين عن جميع طرق الرد والمنع غير انهم نسبوه الى السحر وقالوا إِنْ هذا ما هذا الذي سماه قرآنا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ظاهر سحريته عظيم اعجازه. ثم أشار سبحانه الى غاية تجهيل المشركين ونهاية تسفيههم فقال

وَما آتَيْناهُمْ وما أنزلنا عليهم مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وفيها دليل الإشراك واثبات الآلهة بل كل الكتب والصحف انما هي منزلة على طريق التوحيد وبيان سلوكه وَكذلك ما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ يا أكمل الرسل مِنْ نَذِيرٍ ينذرهم عن التوحيد ويدعوهم الى الشرك المنافى له ثم أشار سبحانه الى تسلية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتهديدهم بالبطش والأخذ فقال

وَكما كذب هؤلاء المكذبون بك يا أكمل الرسل وبكتابك كذلك قد كَذَّبَ الَّذِينَ مضوا مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم رسلهم وقد أنكروا الكتب المنزلة إليهم أمثالهم بل وَهم اى هؤلاء الغواة المكذبون لك يا أكمل الرسل ما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ وعشر ما قد أعطينا لأولئك المكذبين الماضين من الجاه والثروة والامتعة الدنياوية وطول العمر فَكَذَّبُوا رُسُلِي فأخذناهم مع كمال قوتهم وشوكتهم فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ إنكاري وانتقامي إياهم بالتدمير والهلاك بسبب انكارهم وظهورهم على رسلي وكتبي بالتكذيب والاستخفاف نستأخذ هؤلاء المكذبين ايضا ونستأصلهم بأشد من ذلك

قُلْ يا أكمل الرسل بعد ما قد بلغ إلزامهم وتهديدهم غايته إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ يعنى ما اذكر لكم وما أنبه عليكم الا بخصلة واحدة كريمة وهي أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ وحده وتوحدوه عن وصمة الكثرة مطلقا وتواظبوا على أداء الأعمال الصالحة المقربة اليه المقبولة عنده سبحانه وتخلصوها لوجهه الكريم بلا شوب شركة ولوث كثرة وخباثة رعونة ورياء وسمعة وعجب وخديعة وتسترشدوا من رسول الله صلّى الله عليه وسلم مَثْنى اثنين اثنين وَفُرادى واحدا واحدا يعنى متفرقين بلا زحام مشوش للخاطر مخلط للأقوال والأصوات عنده صلّى الله عليه وسلّم حتى يظهر لكم شأنه صلّى الله عليه وسلّم ويتبين دونكم برهانه ثُمَّ بعد ما ترددتم عليه صلّى الله عليه وسلّم على سبيل التعاقب والتفريق تَتَفَكَّرُوا وتتأملوا فيما لاح عليكم منه صلّى الله عليه وسلّم وتتدبروا حق التأمل والتدبر على وجه الإنصاف معرضين عن الجدل والاعتساف لينكشف لكم ويظهر دونكم انه ما بِصاحِبِكُمْ يعنى محمدا صلّى الله عليه وسلم مِنْ جِنَّةٍ جنون وخبط يعرضه ويطرأ عليه هو يحمله على ادعاء الرسالة بلا برهان واضح يتضح له وينكشف دونه كما زعم في حقه صلّى الله عليه وسلّم مشركوا اهل مكة خذلهم الله كي يفتضح على رؤس الاشهاد كما نشاهد من متشيخة زماننا احسن الله أحوالهم أمثال هذه الخرافات والمزخرفات بلا سند ومستند واضح صريح سوى التلبيس والتدليس الذي هو من شيم إبليس وبعد ما لم يساعدهم البرهان والكرامة افتضحوا بأصناف اللوم والملامة وهو صلّى الله عليه وسلّم مع كمال عقله ورزانة رأيه ومتانة حكمته كيف يختار ما هو سبب الشنعة والافتضاح تعالى شأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عما

<<  <  ج: ص:  >  >>