للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وامتنانه بأنواع الهداية والكرامات وبأصناف اللذات الروحانية والمكاشفات والمشاهدات وبالجملة إِنَّهُ سبحانه سَمِيعٌ قَرِيبٌ يسمع عموم مناجاتي ويقضى جميع حاجاتي على وجهها ان تعلق ارادته ومشيته بها بعد ما قد جرى وثبت في حضرة علمه ومضى عليها قضاؤه في لوح المحفوظ بحيث لا يفوته شيء

وَمن غاية قرب الله سبحانه لعباده لَوْ تَرى ايها المعتبر الرائي وقت إِذْ فَزِعُوا يعنى الكفرة والمشركين وقت حلول الأجل ونزول العذاب عليهم في يوم الساعة لرأيت امرا فظيعا فَلا فَوْتَ يعنى حين لا فوت لهم عن الله ولا غيبة عنده سبحانه لا منهم ولا من أعمالهم وأحوالهم شيء وَان تحصنوا بالحصون الحصينة والقلاع المنيعة المتينة والبروج المشيدة بل أُخِذُوا حيثما كانوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ من الله ولو كانوا في قعر الأرض او قلل الجبال او في قلب الصخرة الصماء او فوق السموات العلى وفي أى مكان من الأمكنة المخفية وبالجملة قد أخذوا من مكان قريب بالنسبة اليه سبحانه إذ هو سبحانه منزه عن مطلق الأماكن شهيد حاضر في جميعها غير مغيب عنها

وَبعد ما قد اضطروا الى الموت والهلاك او العذاب في يوم الجزاء قالُوا حين انقرض وقت الايمان وقد مضى أوانه آمَنَّا بِهِ اى بمحمد صلّى الله عليه وسلم وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ يعنى من أين يتأتى ويحصل لهم تناول الايمان وتلافيه وتداركه يومئذ سيما قد صاروا مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ بمراحل عن الايمان إذ قد انقرض مدة التكليف والاختبار وزمان التلافي والتدارك

وَحين كانوا قريبا له قادرا على تناوله وتعاطيه لم يختاروه ولم يتصفوا به بل قَدْ كَفَرُوا بِهِ صلّى الله عليه وسلّم وأنكروا على دينه وكتابه مِنْ قَبْلُ في النشأة الاولى او في الصحة وحين الدعوة يعنى قبل ما عاينوا بالعذاب والهلاك وَهم قد كانوا في زمان الايمان به صلّى الله عليه وسلّم وبكتابه يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ يعنى يرمونه صلّى الله عليه وسلّم ويرجمونه رجما بالغيب ويقولون في شأنه على سبيل التخمين والحسبان عدوانا وظلما انه شاعر كاهن مجنون ويقولون في شأن كتابه انه كلام المجانين وأساطير الأولين مع ان أمثال هذه الخرافات بالنسبة اليه صلّى الله عليه وسلّم والى كتابه مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ بمراحل عن شأنه العظيم وعن شأن كتابه الكريم وبالجملة ايمانهم في حالة اضطرارهم ابعد عن محل القبول بمراحل ايضا

وَبعد ما قد ايسوا عن قبول الايمان وقت الاضطرار قد حِيلَ وحجب بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ من الايمان والنجاة المترتبة عليه ففعل بهم حينئذ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ أحزابهم وأشباههم مِنْ قَبْلُ من الكفرة الماضين الهالكين الملتجئين الى الايمان وقت اضطرارهم وهجوم العذاب عليهم كفرعون وقارون وهامان وغيرهم إِنَّهُمْ قد كانُوا أمثال هؤلاء الغواة المنهمكين فِي شَكٍّ تردد وغفلة مُرِيبٍ موقع أصحابه في ريب عظيم وكفر شديد وانكار غليظ. أعاذنا الله وعموم عباده عن أمثاله بمنه وكرمه

[خاتمة سورة السبأ]

عليك ايها السالك المتدرج في درجات اليقين من العلم الى العين ثم الى الحق وفقك الله أعلى مطالبك واعانك على إنجاحها ان تتمكن في مقعد الصدق الذي هو مرتبة الرضاء معرضا عن الشك والتردد في مقتضيات القضاء ومبرمات الاحكام المثبتة في حضرة العلم المحيط الإلهي وان تتوجه نحوه سبحانه في حالاتك متشبثا بذيل كرم نبيه المؤيد من عنده سبحانه الذي أرشدك الى توحيده الذاتي مسترشدا

<<  <  ج: ص:  >  >>