للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالجملة إِنْ يُكَذِّبُوكَ هؤلاء الضلال بعد ما دعوتهم الى الحق فتأس بإخوانك الرسل واصبر على أذى تكذيبهم فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ عظام كثيرة مِنْ قَبْلِكَ امثالك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا وَهم قد علموا انه إِلَى اللَّهِ الواحد الأحد القادر المقتدر على الانعام والانتقام لا الى غيره من الوسائل والأسباب العادية تُرْجَعُ الْأُمُورُ الكائنة من التكذيب والتصديق والصبر والأذى وغير ذلك من الحوادث إذ كلها مستند الى الله أولا وبالذات حاضر في حضرة علمه المحيط ثابت في لوح قضائه المحفوظ يجازى كلا من المحقين والمبطلين والمصدقين والمكذبين بمقتضى علمه وخبرته

يا أَيُّهَا النَّاسُ المنهمكون في بحر الغفلة والنسيان التائهون في تيه الغرور والطغيان إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ الذي قد وعده في النشأة الاخرى لعموم عباده شقيهم وسعيدهم مطيعهم وكافرهم حَقٌّ ثابت لازم محقق إنجازه على الله بلا خلف فلكم ان تتزودوا لأخراكم وتهيئوا لأمر عقباكم كي تصلوا الى ما اعدّ لكم موليكم فَلا تَغُرَّنَّكُمُ ولا تعوقنكم الْحَياةُ الدُّنْيا ولذاتها الفانية وشهواتها الزائلة الغير الباقية عن الحيوة الابدية الازلية والبقاء السرمدي واللذات الروحانية وَبالجملة لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ يعنى لا يلبسن عليكم الشيطان المكار الغرّار الغدار بان يوقع في قلوبكم ان رحمة الله واسعة وفضله كثير ولطفه كبير وان الله سبحانه مستغن عن طاعتكم وعبادتكم وان فعل الإيلام لا يتصور من الحكيم العلام الى غير ذلك من الحيل العائقة لكم عن التقوى وعن التزود للنشأة الاخرى وبالجملة

إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ يا بنى آدم عَدُوٌّ قديم مستمر عداوته من زمان أبيكم فَاتَّخِذُوهُ اى الشيطان أنتم ايضا عَدُوًّا لأنفسكم عداوة مستمرة بحيث لا تصغوا اليه ولا تقبلوا منه قوله ولا تلتفتوا الى تغريره وتلبيسه أصلا فانه يواسيكم ويغريكم الى مشتهيات نفوسكم ويوقعكم في فتنة عظيمة كما أوقع أباكم في ما مضى فعليكم ان تجتنبوا عن غوائله حتى لا تكونوا من حزبه إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ على الغواية والضلال البتة ويغريهم الى انواع البغي والعناد لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ المسعرة المعدة لأصحاب الشقاوة الازلية مثل الشيطان وسائر أحزابه واتباعه. نجنا بفضلك من سخطك واعذنا بلطفك من تغرير عدونا وعدوك. ثم قال سبحانه كلاما جمليا شاملا لعموم العباد تذكيرا وعظة مشتملا على الوعد والوعيد لكلا الفريقين

الَّذِينَ كَفَرُوا ستروا الحق واعرضوا عنه في النشأة الاولى عنادا ومكابرة لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ اى إحراقهم بنار القطيعة في النشأة الاخرى جزاء بما اقترفوا في النشأة الاولى إذ لا عذاب أشد من الإحراق وَالَّذِينَ آمَنُوا بتوحيد الله وصدقوا رسله المؤيدين من عنده بالصحف والكتب المنزلة إليهم المبينة لسلوك طريق التوحيد والعرفان وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ المأمورة لهم في تلك الكتب والصحف لَهُمْ في النشأة الاخرى مَغْفِرَةٌ ستر وعفو لما صدر عنهم من الذنوب قبل الايمان والتصديق وَأَجْرٌ كَبِيرٌ وجزاء عظيم على ما قد عملوا بعده بمقتضى الأمر الإلهي المبين في الكتب المنزلة من عنده سبحانه

أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً يعنى أيزعم الزاعم ان من زين وحسن الشيطان عمله السوء القبيح في الواقع فخيله حسنا بحسب زعمه الفاسد واعتقاده الباطل كمن كان عمله حسنا في الواقع حقا في نفس الأمر واعتقده ايضا كذلك حتى يكونا متساويين في استحقاق الأجر الجزيل والجزاء الجميل كلا وحاشا ان يكونا سيان بل شتان ما بينهما فَإِنَّ اللَّهَ المتعزز برداء العظمة والكبرياء المقتدر على ما يشاء يُضِلُّ عن صراط توحيده حسب قهره وجلاله مَنْ يَشاءُ من عصاة عباده وَيَهْدِي اليه مَنْ يَشاءُ منهم بمقتضى لطفه

<<  <  ج: ص:  >  >>