للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في النشأة الاخرى عَذابٌ شَدِيدٌ جزاء بما مكروا به وَان كان مَكْرُ أُولئِكَ الماكرون هُوَ اى مكرهم في نفسه يَبُورُ يفسد ويبطل ويعود وباله ونكاله عليهم بلا اثر لمكرهم بالممكور عليه صلّى الله عليه وسلم

وَكيف لا يعود ضرر مكركم إليكم ايها الماكرون المشركون إذ اللَّهُ القادر المقتدر الذي قد قصدتم المكر معه ومع من اختاره واصطفاه قد خَلَقَكُمْ وقدر وجودكم أولا مِنْ تُرابٍ جامد لا حس لها ولا شعور ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ مهينة مستحدثة من أجزاء النبات المتكون من الأرض ثُمَّ جَعَلَكُمْ وصيركم حيوانا ذا حس وحركة ارادية أَزْواجاً ذكورا وإناثا لتتوالدوا وتتكثروا وَبالجملة قد رباكم سبحانه على الوجه الأحسن الأصلح إذ هو سبحانه عليم بعموم حوائجكم وما يعنيكم وما لا يعنيكم وكذا بكل ما جرى ويجرى عليكم في اطواركم ونشآتكم السابقة واللاحقة بحيث ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ حمله إِلَّا بِعِلْمِهِ واذنه سبحانه وبمقتضى مشيته ومراده وهو معلوم له لا يغيب عن حظوره وَبعد ما وضع الحمل ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ قد بلغ عمره نهايته وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ حيث لم يبلغ ولم يصل إليها إِلَّا فِي كِتابٍ يعنى مثبت مسطور في حضرة العلم المحيط الإلهي ولوح القضاء المحفوظ إِنَّ ذلِكَ يعنى حفظه وثبته عَلَى اللَّهِ العليم الحكيم يَسِيرٌ وان كان عندكم عسيرا بل متعذرا ممتنعا إذ لا يسع لكم استحضار احوال آنكم ولحظتكم فكيف احوال يومكم وشهركم وحولكم فكيف احوال طفوليتكم وكونكم اجنة في بطون أمهاتكم ونطفة في أصلاب آبائكم ثم مثل سبحانه كلا الفريقين اى المؤمنين والكافرين بالبحرين العذب والمالح فقال

وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ في النفع والفائدة الحاصلة منهما إذ هذا اى المؤمن المصدق كبحر الايمان والعرفان المترشح من بحر الوحدة الذاتية عَذْبٌ حلو في غاية الحلاوة فُراتٌ يكسر غليل أكباد المتعطشين في سراب الدنيا ببرد اليقين سائِغٌ شَرابُهُ سهل انحداره للمجبولين على فطرة التوحيد وَهذا اى الكافر المتوغل في بحر الغفلة والنسيان مِلْحٌ مالح مرّ لا مصلح يصلح من يذوق منه بل أُجاجٌ مرّ مفسد لمزاج من ذاق عنه فقد هلك هلاكا ابديا بحيث لا نجاة له وَالبحر الأجاج له نفع ولا نفع للكفر والضلال أصلا إذ مِنْ كُلٍّ من البحرين تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا مثل السمك وغيرها وَكذا تَسْتَخْرِجُونَ منهما حِلْيَةً أنواعا من الزينة التي تَلْبَسُونَها أنتم ايها المتنعمون المترفهون وَايضا تَرَى ايها الرائي الْفُلْكَ والجواري الجارية فِيهِ اى في كل من البحرين مَواخِرَ يفصل ويشق سطح الماء بجريها وما ذلك الشق والفصل الا لِتَبْتَغُوا وتطلبوا أنتم مِنْ مزيد فَضْلِهِ وطوله سبحانه مما تشتهي انفسكم بالبقلة فيها وَانما أباح لكم سبحانه منافع بره وبحره لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ رجاء ان تشكروا نعمته وتزيدوا على انفسكم مزيد كرمه. ومن كمال فضل الله عليكم ورحمته انه

يُولِجُ اللَّيْلَ ويدخل ظلمته فِي نور النَّهارِ يطول أجزاء النهار بايلاج أجزاء الليل فيه في فصل الصيف تتميما لمصالح معايش عباده وَكذا في فصل الشتاء يُولِجُ النَّهارَ ويدخل أجزاء منه فِي اللَّيْلِ فيطوله باجزائه تسكينا للقوى النامية وتمكينا لها ليجددها للخدمة المفوضة إليها في وقتها وَبالجملة قد سَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ تتميما وتكميلا لمصالح عباده بحيث كُلٌّ منهما يَجْرِي ويدور باذن الله والهامه لِأَجَلٍ مُسَمًّى هي من مبدء دوره الى منتهاه او الى

<<  <  ج: ص:  >  >>