للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انقراض نشأة الدنيا وبالجملة ذلِكُمُ المصرف المتصرف بالاستقلال والاختيار المدبّر بكمال العلم والخبرة ووفور الحكمة والدرية هو اللَّهُ رَبُّكُمْ الذي أظهركم من كتم العدم ورباكم بأنواع النعم والكرم وكيف لا يربيكم سبحانه بعد ما أبدعكم إذ لا متصرف في الكائنات سواه ولا اله في الوجود والشهود الا هو لَهُ الْمُلْكُ لا مالك سواه ولا مدبر غيره وَالمحجوبون المحرومون الَّذِينَ تَدْعُونَ ويدّعون مِنْ دُونِهِ سبحانه متصرفا آخر من التماثيل الباطلة والاظلال الهالكة العاطلة تعنتا وعنادا مع ان ما يسمونه أولئك الجاهلون آلهة سواه سبحانه ويسندون الأمور إليهم مكابرة ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ يعنى ليس لهم وفي وسعهم ان يتصرفوا في قشرة رقيقة ملتفة على ظهر النواة وهذه مثل في القلة عند العرب فكيف في غيره إذ الألوهية مسبوقة بوجوب الوجود والصفات الكاملة الذاتية والأسماء الحسنى السنى التي لا تعد ولا تحصى وليس لهؤلاء الاظلال الهلكى وجود في أنفسها ومن اين يتأتى منهم الألوهية وتتيسر لهم بل هم من ادنى الممكنات وأدون المكونات لكونها جمادات لا شعور لها أصلا بحيث

إِنْ تَدْعُوهُمْ وتلتجئوا نحوهم لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ إذ ليس لهم قابلية السماع والاستماع وَلَوْ سَمِعُوا يعنى لو فرض انهم سمعوا على سبيل فرض المحال مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ إذ ليس لهم القدرة والارادة والأوصاف الكاملة اللازمة للالوهية والربوبية وَهم مع عدم نفعهم إياكم ايها الجاهلون يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ وينكرون بِشِرْكِكُمْ واشراككم واتخاذكم إياهم شركاء مع الله وهم يتبرّءون عنكم وأنتم عنهم وَبالجملة لا يُنَبِّئُكَ ولا يخبرك ايها المخاطب النبيه الفطن ان كنت من ذوى الهداية والرشد بأحوال النشأة الاخرى وما سيجرى بينهم وبين شركائهم من براءة كلا الجانبين والملاعنة مِثْلُ خَبِيرٍ وهو الله العليم الحكيم الذي لا يعزب عن احاطة حضرة علمه المحيط مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء لا في الاولى ولا في الاخرى وعنده مفاتيح عموم الغيوب ومقاليد جميع الأمور لا يعلمها الا هو. ثم نادى سبحانه عموم عباده على سبيل الاستغناء عنهم وعن أعمالهم وعن محامدهم واثنيتهم الجارية على ألسنتهم فقال

يا أَيُّهَا النَّاسُ الناسون عهود الله ومواثيقه التي واثقتم بها مع ربكم مع انكم تنسون نعمه وتذهلون عن حقوق كرمه اعلموا انكم أَنْتُمُ الْفُقَراءُ المحتاجون بالذات المقصورون على الافتقار إِلَى اللَّهِ الذي أظهركم من كتم العدم ولم تكونوا شيأ مذكورا ورباكم بأنواع النعم سيما العقل المفاض الذي هو مذكركم عن مبدئكم ومنشئكم فلم لم تشكروا نعمة مبدعكم ومربيكم ايها الغافلون الجاهلون مع انكم دائما محتاجون اليه وَاللَّهُ المنزه بذاته عن شكر الشاكرين وطاعة المطيعين وكذا عن كفر الكافرين وعصيان العاصين هُوَ الْغَنِيُّ المنحصر على الغنى الذاتي بحيث لا احتياج له ولا استكمال أصلا إذ كمالاته سبحانه كلها بالفعل بحيث لا ترقب في كمالاته المترتبة على شئونه مطلقا الْحَمِيدُ المحمود في نفسه على الوجه الذي يليق بشأنه إذ لا يأتى عن السنة مصنوعاته الحمد الحقيق بذاته وانما أظهركم ايها الاظلال الهالكة بمقتضى لطفه وجماله لتواظبوا على عبادته وعرفانه كي تصلوا الى زلال توحيده مترقين صاعدين من حضيض الإمكان الى أوج الوجوب الذاتي علما وعينا وحقا فأنتم تتكاسلون وتتمايلون الى اهوية انفسكم البهيمية ومشتهيات قويكم البشرية اما تخافون وما تتأملون ايها المغرورون

إِنْ يَشَأْ سبحانه يُذْهِبْكُمْ عن قضاء البروز بالمرة الى خفاء الكمون وَيَأْتِ بدلكم بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وبمخلوق سواكم تتميما لحكمة العبادة والمعرفة

وَاعلموا ايها الهالكون في تيه الغفلة انه ما ذلِكَ التبديل

<<  <  ج: ص:  >  >>