للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوحينا إليك من الإنذارات والوعيدات الهائلة الواردة منا إياهم ولا تجتهد في هدايتهم وقبولهم إذ ما عليك الا البلاغ وعلينا الحساب

إِنَّا أَرْسَلْناكَ من كمال لطفنا معك ملتبسا بِالْحَقِّ الصدق المطابق للواقع داعيا لعموم عبادنا الى توحيدنا الذاتي بَشِيراً بما قد أعددنا لهم من المراتب العلية والمقامات السنية وَنَذِيراً عليهم ايضا بما أعددنا لهم من دركات النيران الموجبة لزفرات القلوب وحسرات الجنان وَارسالنا لك يا أكمل الرسل ليس ببدع منا بل إِنْ مِنْ أُمَّةٍ وما من فرقة وطائفة من الأمم السالفة إِلَّا قد خَلا ومضى فِيها نَذِيرٌ ينذرهم عما لا يعنيهم

وَبعد ما قد سمعت يا أكمل الرسل ما سمعت إِنْ يُكَذِّبُوكَ أولئك الكفرة المصرون على الشرك والعناد وأنكروا بك وبكتابك لا تبال بهم وبانكارهم فَقَدْ كَذَّبَ الكفرة الَّذِينَ مضوا مِنْ قَبْلِهِمْ اى من قبل هؤلاء المشركين رسلهم مع انه قد جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ المبعوثون إليهم مؤيدين مثلك بِالْبَيِّناتِ اى بالدلائل الواضحة المؤيدة بالمعجزات المثبتة لنبوتهم ورسالتهم كذا وَبِالزُّبُرِ والصحف المنزلة إليهم المشتملة على اصول اديانهم وبيان طريقهم وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ المظهر لسرائر التوحيد بحججه وبراهينه القاطعة وحكمه وأحكامه الساطعة آثارها مثل دلائل كتابك وشواهد معجزاتك

ثُمَّ بعد ما قد كذبوا رسلهم وأنكروا كتبهم التي قد جاءوا بها من لدنا بمقتضى وحينا وأصروا على كفرهم وشركهم قد أَخَذْتُ بحسب عزتي وقدرتي وبمقتضى جلالي وهيبتي الَّذِينَ كَفَرُوا واعرضوا عن الحق مستكبرين مصرين على الباطل مستمرين فيه فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ إنكاري إليهم بالنسبة الى انكارهم الى وإهلاكي إياهم بحيث لم يبق منهم احد يخلفهم ويحيى اسمهم ورسمهم

أَلَمْ تَرَ ايها الرائي أَنَّ اللَّهَ القادر المقتدر بالقدرة الكاملة كيف أَنْزَلَ وأفاض مِنَ جانب السَّماءِ اى سماء الأسماء والصفات الذاتية ماءً محييا لأموات الأراضي المائتة الجامدة الباقية على صرافة العدم فَأَخْرَجْنا بِهِ اى بالماء المفاض المترشح من بحر الوجود بمقتضى الجود على ارض الطبيعة ثَمَراتٍ فواكه متنوعة من المعارف والحقائق والخواطف القدسية والواردات الغيبية المختطفة على قلوب ارباب المحبة والولاء حسب حالاتهم ومقاماتهم مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وكيفياتها علما وعينا وحقا وَمِنَ الْجِبالِ التي هي عبارة عن الأوتاد والأقطاب والبدلاء الوالهين بمطالعة ذات الله القابلين بفيضان مطلق الكرامات والفتوحات اللدنية الفائضة عليهم من مبدأ الفياض جُدَدٌ ذوو طرق وسبل موصلة الى كعبة الذات وعرفات الأسماء والصفات بِيضٌ مصفى في غاية الصفاء بلا خلط ومزج لها بألوان التعينات وإكدار الهويات أصلا وَبعضها حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها باختلاف مراتب قربهم وبعدهم عن المرتبة الاولى وَبعضها غَرابِيبُ سُودٌ متناه في السواد والظلمة بحيث لا يبقى فيها شائبة شبه بالمرتبة الاولى بل هي مباين لها مناقض إياها بحيث لا يبقى المناسبة بينهما أصلا. قيل يشير سبحانه بالجدد البيض الى طائفة الصوفية الذين هم قد صفوا بواطنهم عما سوى الحق من الأمور المنصبغة بصبغ الأكوان وألوان الإمكان وبالحمر المختلف الألوان الى طائفة المتكلمين الذين قد بحثوا عن ذات الله وصفاته متشبثين بالدلائل العقلية والنقلية الغير المؤيدة بالكشف والشهود المفيدة للظن والتخمين الا نادرا وبالغرابيب السود الى غلاة فرق الفقهاء وهم الذين قد كثفت حجبهم وغلظت اغشيتهم بحيث لم يبق في فضاء قلوبهم موضع يليق لقبول انعكاس اشعة أنوار الحق بل قد سودوها وصبغوها بلون الباطل المظلم

<<  <  ج: ص:  >  >>