للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الى حيث أخرجوها عن فطرة الله التي فطر الناس عليها

وَأخرجنا به ايضا اى بآثار تربية الماء واحيائها أموات الأراضي مِنَ النَّاسِ المنهمكين في الغفلة والنسيان وَالدَّوَابِّ المنسلخة من رتبة الإدراك والشعور المتعلق بالمبدأ والمعاد وَالْأَنْعامِ المشغوفة بتوفية اللذات الجسمانية والمشتهيات النفسانية مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ وكذا أجناسه وأنواعه واصنافه واشكاله وهيآته وبالجملة إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ ويخاف من بطشه مِنْ عِبادِهِ الذين قد ابدعهم الحق وأظهرهم من كتم العدم بافاضة رشاشات رشحات بحر وجوده الفائض عليهم بمقتضى جوده الْعُلَماءُ العرفاء بالله وبأوصافه الكاملة وأسمائه الحسنى الشاملة المتحققون بمرتبة التوحيد المنكشفون بسر سريان الوحدة الذاتية على عموم المظاهر إذ أخشى الناس من الله أعرفهم بشأنه ولذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم انى أخشاكم لله وأتقاكم له وكيف لا يخشى العارفون العالمون منه سبحانه إِنَّ اللَّهَ المتردي برداء العظمة والكبرياء عَزِيزٌ غالب على انتقام من أراد انتقامه من عباده غَفُورٌ ذنوب من تاب الى الله ورجع نحوه عن ظهر القلب.

ثم أشار سبحانه الى خواص عباده ونبههم على ما هو المقبول منهم عنده سبحانه من أعمالهم وأحوالهم وحثهم عليه امتنانا لهم فقال

إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ المنزل على رسوله وَأَقامُوا الصَّلاةَ المفروضة المكتوبة لهم في الأوقات المحفوظة في كتاب الله وَأَنْفَقُوا طلبا لمرضاتنا مِمَّا رَزَقْناهُمْ وسقنا نحوهم من الرزق الصوري والمعنوي سِرًّا خفية من الناس اتقاء عن وصمة الرياء والسمعة ومن الفقراء المستحقين ايضا صونا لهم عن ان يتأذوا حين أخذهم وَعَلانِيَةً ايضا بعد ما اقتضى المحل إعلانه ولم يتأت منه الإخفاء يَرْجُونَ من الله بالافعال المذكورة تِجارَةً رابحة من الأحوال والمقامات لَنْ تَبُورَ اى لن تهلك ابدا ولن تفسد وتفنى أصلا وانما فعلوا ذلك

لِيُوَفِّيَهُمْ ويوفر عليهم سبحانه أُجُورَهُمْ التي يستحقون بأعمالهم بها وَيَزِيدَهُمْ عليها مِنْ فَضْلِهِ ما لا يعد ولا يحصى من الكرامات امتنانا عليهم وتفضلا وكيف لا يوفيهم ويزيدهم سبحانه إِنَّهُ عز شأنه وجل برهانه غَفُورٌ في ذاته لفرطات عباده يغفر لهم عظيم ذنوبهم شَكُورٌ يقبل منهم يسير طاعاتهم التي قد أتوا بها مخلصين فكيف عسيرها

وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يا أكمل الرسل مِنَ الْكِتابِ الجامع بما في الكتب السالفة الحاوي بمعظمات اصول الدين هُوَ الْحَقُّ المنزل من عندنا المثبت في حضرة علمنا مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وكذا ما تقدم عليه من الكتب والصحف المنزلة من عندنا المبينة لحكمنا وأحكامنا وبالجملة إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ مطلع بجميع أقوالهم وأحوالهم وأفعالهم الظاهرة والباطنة حتى ما جرى في استعداداتهم وقابلياتهم بَصِيرٌ بما جرى وسيجرى عليهم في أولاهم وأخراهم

ثُمَّ بعد ما قد اصطفيناك يا أكمل الرسل للرسالة العامة وأيدناك بانزال القرآن المعجز الموجز المشتمل على عموم فوائد الكتب السالفة مع زيادات خلا عنها الكل قد أَوْرَثْنَا الْكِتابَ المنزل إليك وابقيناه بعدك بين القوم الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا واخترناهم بإرسالك إليهم وبعثتك بينهم فجعلناهم في اقتباس نور الهداية والتوحيد من مشكاة النبوة والرسالة الختمية الخاتمية المحمدية الحاوية لمراتب عموم الرسل الذين مضوا قبله صلّى الله عليه وسلّم أصنافا ثلاثة فَمِنْهُمْ من كمال شوقهم الى مبدئهم الأصلي وغاية تحننهم نحو الفطرة الجبلية التي فطر الناس عليها في بدء الأمر ظالِمٌ لِنَفْسِهِ البشرية بحيث يمنع عنها جميع حظوظها النفسانية ومقتضيات قواها الجسمانية بحيث قد

<<  <  ج: ص:  >  >>