للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اتصل بعضهم من كمال احتمائه ومنع نفسه عن مقتضياتها البهيمية بالملإ الأعلى قبل انقراض النشأة الاولى ألا وهم شطار الأولياء وهم الذين قد صرفوا هممهم العالية بالوصول الى مبدئهم الأصلي وموطنهم الحقيقي بلا التفات منهم الى ما سواه مطلقا وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ معتدل مائل عن كلا طرفي الإفراط والتفريط بحيث لا يمنع نفسه عن ضرورياتها المقومة لها ولا يكثرها عليها بل يمنعها عن الزيادة على الضروري في عموم الحوائج وبالجملة يقتصد على وجه الاعتدال في عموم الأعمال والأفعال والأقوال وجميع الأحوال ألا وهم الأبرار الأخيار من الأولياء المستوين على صراط الاستقامة والاعتدال بلا عوج وانحراف وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ مواظب على الطاعات مشمر ذيل جده وجهده دائما بالأعمال الصالحات وفواضل الصدقات والانفاق على طلب المرضات للفقراء المهاجرين عن بقعة الإمكان السائرين نحو سبيل الوجوب المنصرفين عن الدنيا وما فيها من اللذات والشهوات بِإِذْنِ اللَّهِ وعلى مقتضى ما قد ثبت في كتابه ونطق به لسان رسوله ألا وهم الأخيار المحسنون من الأولياء وان كان لهم ميل الى مزخرفات الدنيا الا انهم ما يقصدون بها ومنها الا وجوه الخيرات والمبرات وبالجملة ذلِكَ الإيراث والتوريث والإعطاء والاصطفاء هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ من الله إياهم في أولاهم والفوز العظيم والنوال الكريم لهم في أخراهم. جعلنا الله من خدامهم ومحبّيهم ومقتفى أثرهم ومن جملة فضل الله إياهم في أخراهم

جَنَّاتُ عَدْنٍ معدة لهم نزلا ومنزلا من عند الله يَدْخُلُونَها فرحين مسرورين آمنين فائزين شاهدين فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر يُحَلَّوْنَ فِيها تزينا وتفضلا مِنْ أَساوِرَ جزاء ما اقترفوا بأيديهم من الحسنات متخذة مِنْ ذَهَبٍ خالص في مقابلة إخلاصهم في أعمالهم وَيحلون ايضا لُؤْلُؤاً من انواع اللئالئ بدل ما يتقون ويحفظون أنفسهم من الميل إليها في نشأتهم الاولى وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ بدل ما يلبسون من الخشن في سبيل المجاهدة والسلوك نحو الحق في النشأة الاولى

وَبعد ما قد وصلوا الى مقام القرب بل اتصلوا بعد رفع انانياتهم وهوياتهم الباطلة عن البين الى ما اتصلوا ووصلوا قالُوا بألسنة استعدادتهم موافقة لقلوبهم بعد ما عدوا نعم الله الفائضة عليهم وأخذوا بأداء حقوقها الْحَمْدُ اى جنس الحمد والثناء الشامل لمحامد عموم الحامدين قولا وفعلا حالا ومقالا مختص لِلَّهِ المستحق بالاستحقاق الذاتي والوصفي الَّذِي أَذْهَبَ وأزال عَنَّا الْحَزَنَ المورث لنا من لوازم انانياتنا وتعيناتنا المورثة من إمكاننا إِنَّ رَبَّنا الذي ربانا بأنواع الكرامة ونجانا عن مضيق الإمكان المورث لانواع الخذلان والحرمان لَغَفُورٌ لذنوب انانياتنا شَكُورٌ يقبل عنا أعمالنا التي يقربنا الى فضاء وحدته حسب توفيقه وتأييده إذ هو القادر المقتدر

الَّذِي أَحَلَّنا وأقامنا حسب فضله ولطفه دارَ الْمُقامَةِ ومنزل الاقامة والخلود مِنْ فَضْلِهِ بنا ولطفه معنا بلا موجب منا يوجب لنا ولا يجب ايضا عليه سبحانه ايصالنا إليها آمنين مترفهين بحيث لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ تعب وعناء مثل ما قد مسنا في دار الابتلاء وَايضا لا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ فترة وكلال تعقب الوصب والنصب قد نفى سبحانه اللازم بعد نفى الملزوم مبالغة وتأكيدا. ثم اردف سبحانه وعد المؤمنين بوعيد الكافرين على مقتضى سنته المستمرة في كتابه فقال

وَالَّذِينَ كَفَرُوا بالله واعرضوا عن كتبه ورسله وأنكروا بالبعث والحشر واعادة المعدوم لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ معدة مسعرة ليعذبوا بها في النشأة الاخرى تعذيبا شديدا بحيث لا يُقْضى ولا يحكم عَلَيْهِمْ بالموت من عنده سبحانه

<<  <  ج: ص:  >  >>