للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَمُوتُوا ليستريحوا بل كلما قد أشرفوا على الهلاك يعادوا نحو الحياة ويعذبوا باشد من الذي مضى وَبالجملة لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها ابدا ولا يمهلون ساعة حتى يتنفسوا بل صاروا معذبين على التعاقب والتوالي ابدا بلا فرجة وخفة كعذاب أبناء الدنيا في دار الحرمان بنيران الإمكان بحيث يستوعب عموم أوقاتهم وأزمانهم ولا يسع لهم النفس والتفرج أصلا كَذلِكَ مثل ما نجازي أولئك المصرين على الكفر والعناد نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ لحقوق نعمنا منكر بمقتضيات جودنا وكرمنا

وَهُمْ من شدة فزعهم وهولهم يَصْطَرِخُونَ فِيها ويستغيثون من الله صارخين متحسرين قائلين من كمال الضجرة والحسرة رَبَّنا يا من ربانا بأنواع اللطف والكرم فكفرنا بك وأعرضنا عنك وعن كتبك ورسلك أَخْرِجْنا واعدنا منها الى الدنيا كرة نَعْمَلْ صالِحاً مقبولا عندك مرضيا لديك غَيْرَ العمل الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ فيها عنادا ومكابرة فالآن قد ظهر لنا الحق وبطلان ما قد كنا نعمل من الأعمال الفاسدة الغير المطابقة لكتبك ودين رسلك فلو أخرجتنا منها واعدتنا إليها لآمنا بك وبكتبك ورسلك وصدقنا بعموم ما جاءوا به من عندك وبعد ما قد تمادوا وتطاولوا في بث الشكوى قيل لهم من قبل الحق على سبيل التوبيخ والتقريع أَتطلبون المهلة منا وتستمهلون عنا وَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ونمهلكم ايها المسرفون المفرطون في الدنيا زمانا طويلا بحيث يسع فيه جميع ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ قد أعطيناكم وقتا وسيعا وزمانا طويلا يسع فيه انواع التذكر والتيقظ بالنسبة الى من كان بصدد التذكر والتنبه ألا وهو من وقت البلوغ الى ستين سنة غالبا وَأنتم لم تتذكروا في تلك المدة لا من تلقاء انفسكم مع انكم مجبولون على فطرة التذكر ولا من ارشاد مرشد مذكر وتنبيه منيه نبيه إذ قد جاءَكُمُ النَّذِيرُ المنذر لكم عن أمثال ما أنتم عليه الآن فأنكرتم له ولم تتذكروا ايضا بقوله حتى ظهر عليكم امارات الشيب المخبر للرحيل الى السفر الطويل ومع ذلك لم تتزودوا له فالآن قد انقضى وقت التذكر والتدبر ومضى أوان التدارك والتلافي وقد أخذتم بشؤم ما اقترفتم من الكفر والعصيان أتطلبون العود والخروج هيهات هيهات ان وقت التلافي والتفقد قد فات فَذُوقُوا العذاب المخلد بدل تلك اللذات الوهمية الفانية وبالجملة فَما لِلظَّالِمِينَ الخارجين عن مقتضيات الحدود الإلهية مِنْ نَصِيرٍ ينصرهم في رفع العذاب او يشفع لهم عند الله لتخفيفه عنهم بل هم خالدون مخلدون في النار ابد الآباد لا سبيل لنجاتهم أصلا. ربنا نجنا عن سخطك وغضبك وأحينا وأمتنا حسب ارادتك ورضاك وارزقنا بلطفك لقياك انك على ما قد نشاء قدير وبرجاء المؤمنين جدير وكيف يسع لاحد من المخلوقات ان يشفع عنده سبحانه لعصاة عباده او ينصرهم في الانقاذ عن عذابه بعد ما ثبت جرائمهم في حضرة علمه وتعلق ارادته بأخذهم على ظلمهم

إِنَّ اللَّهَ

المطلع على عموم ما لاح عليه برق الوجود عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ

اى بواطن ما في العلويات وَالْأَرْضِ

اى بواطن ما في السفليات ايضا وكيف يخفى عليه سبحانه ما في سرائر عباده وضمائرهم إِنَّهُ

سبحانه عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ

اى بعموم مكنونات الصدور ومضمراتها بل بجميع ما في استعداداتهم وقابلياتهم مطلقا لأنه المراقب لهم حسب حالاتهم وتطوراتهم فكيف تغفلون عنه سبحانه وتذهلون عن تذكره ايها الغافلون مع انه سبحانه

هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ عن ذاته وأظهركم على صورته واعطاكم التصرف فِي الْأَرْضِ وقد سلطكم على عموم ما عليها وسخر لكم جميع ما فيها من المواليد والأركان تكريما لكم وتتميما

<<  <  ج: ص:  >  >>