للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليقين وسبح فيه سالما عن الانحراف والتلوين

وَحق الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ المحكم نظمه وأسلوبه المتقن معناه وفحواه

إِنَّكَ يا أكمل الرسل وخاتم الأنبياء المبعوث الى كافة البرايا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ المتمكنين

عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ موصل الى التوحيد الذاتي بلا عوج وانحراف وكيف لا يكون القرآن العظيم حكيما مع انه

تَنْزِيلَ اى منزل من عند الْعَزِيزِ الغالب القادر على جميع المقدورات على الوجه الأحكم الأبلغ الرَّحِيمِ في انزاله على الأنام ليوقظهم عن نوم الغفلة ونعاس النسيان انما انزل الحكيم المنان عليك يا أكمل الرسل هذا القرآن

لِتُنْذِرَ أنت قَوْماً لم يبعث فيهم نذير من قبلك بل ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ الأقربون ايضا إذ هم ليسوا من اهل الكتاب وتابعي الملة لتمادى مدة فترة الرسل بعد عيسى صلوات الله عليه وسلامه او المعنى لتنذر قوما بالذي انذر به آباؤهم الأبعدون وبعد ما قد تطاول ايام الفترة انقطع عنهم اثر الإنذار وصار كأن لم يكن شيأ مذكورا وبالجملة فَهُمْ غافِلُونَ

اى القوم الذين قد أرسلت إليهم يا أكمل الرسل ذاهلون عن الإنذار والمنذر بل عن مطلق الرشد والهداية إذ هم متولدون في زمان فترة الرسل وكيف لا ينذرهم سبحانه ولا يرسل إليهم من يصلح أحوالهم

لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ وسبق الحكم من الله ومضى القضاء منه سبحانه عَلى أَكْثَرِهِمْ اى اكثر اهل مكة بالكفر والعذاب وعدم الوصول الى خير المنقلب والمآب وبعد ما قد ثبت في حضرة علمه سبحانه كفرهم وضلالهم فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ بالله ولا يصدقون برسوله وكتابه أصلا وكيف يؤمنون أولئك المصرون على الكفر والعناد المقضيون المحكومون عليهم من لدنا بالشقاوة الازلية

إِنَّا بمقتضى قهرنا وجلالنا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ التي هي سبب التفاتهم وتمايلهم نحو الحق وآلة انعطافهم للاطاعة والانقياد بالدين القويم أَغْلالًا وصيرناهم مغلولين من الأيدي الى الأعناق بحيث لا يمكنهم الطأطأة والانخفاض أصلا ولا بد للتدين والانقياد من التذلل والخشوع وكيف يمكنهم هذا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ اى اغلالهم منتهية الى لحيهم فَهُمْ مُقْمَحُونَ رافعون رؤسهم مضطرون برفعها بسبب تلك الأغلال الضيقة بحيث لا يسع لهم الالتفات يمنة ويسرة وفوقا وتحتا ألا وهي أغلال الأماني والآمال وسلاسل الحرص والطمع لمزخرفات الدنيا الدنية وما يترتب عليها من اللذات الوهمية والشهوات البهيمية بل

وَجَعَلْنا لهم من كمال غضبنا إياهم مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ اى قدامهم سَدًّا حجابا كثيفا وَمِنْ خَلْفِهِمْ ايضا سَدًّا غطاء غليظا فصاروا محفوفين بين الحجب الكثيرة المانعة عن ابصار نور الهداية والتوحيد وبالجملة فَأَغْشَيْناهُمْ اى قد اعمينا عيون بصائرهم وأبصارهم التي هي سبب رؤية الآيات ودرك الدلائل القاطعة والبراهين الساطعة فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ الشواهد الظاهرة والآيات الباهرة حتى ترشدهم الى الهداية والايمان فحرموا عن قبول الحق وانصرفوا عن صراطه فهلكوا في تيه الغواية والضلال. أعاذنا الله وعموم عباده عن ذلك وَبعد ما قد سجلنا عليهم الكفر وحكمنا بشقاوتهم حكما مبرما لا يفيدهم إنذارك يا أكمل الرسل وارشادك إياهم بل

سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ بك وبدينك وكتابك أصلا إذ قد ختمنا نحن على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة غليظة مانعة عن قبول الحق والتذكر به وابصار علاماته وبالجملة هم مقضيون في سابق علمنا ولوح قضائنا بالعذاب الأليم والضلال البعيد فلا تتعب نفسك يا أكمل الرسل في هدايتهم وإرشادهم انك لا تهدى من أحببت من قرابتك وارحامك ولكن الله يهدى من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ان الله عليم بما يصنعون من الكفر والإصرار

<<  <  ج: ص:  >  >>