للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّما تُنْذِرُ أنت ويقبل منك الإنذار المصلح والإرشاد المفيد مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ اى سمع القرآن سمع قبول بتوفيق من لدنا وامتثل بأوامره ونواهيه عن تدرب تام وتأمل صادق واتعظ بتذكيراته عن تيقظ خالص واعتبر عن عبره وأمثاله وَمع ذلك خَشِيَ الرَّحْمنَ اى خاف عن قهره وانتقامه واجتنب عن سخطه وغضبه ملتبسا بِالْغَيْبِ اى قبل نزول العذاب وحلوله معتقدا انه سبحانه قادر على عموم انواع الانتقامات فَبَشِّرْهُ يا أكمل الرسل هذا السامع المتدرب بعد ما قد سمع بالآيات سمع قبول ورضى وامتثل بما فيها مخلصا خالصا خائفا راجيا بِمَغْفِرَةٍ لفرطاته المتقدمة وَأَجْرٍ كَرِيمٍ لأعماله الصالحة الخالصة بلا فوت شيء منها بل بأضعافها وآلافها عناية منا إياه وتفضلا عليه وكيف يفوت عن احاطة علمنا شيء من حقوق عبادنا

إِنَّا من مقام عظيم جودنا وكمال قدرتنا نَحْنُ نُحْيِ ونهدي حسب اقتضاء تجلياتنا اللطفية الجمالية الْمَوْتى الهلكى الهالكين بموت الجهل والضلال التائهين في بيداء الوهم والخيال حيارى وسكارى مدهوشين محبوسين مسجونين في مضيق الإمكان بحياة العلم والايمان والتوحيد والعرفان وَنَكْتُبُ في لوح قضائنا وحضرة علمنا جميع ما قَدَّمُوا واسلفوا لأنفسهم من خير وشر وحسنة وسيئة بحيث لا يشذ منها شيء لنجازيهم بها على مقتضاها وَنكتب ايضا آثارَهُمْ من السنن المستحسنة والأخلاق المحمودة والآداب المرضية المقبولة وكذا ايضا مما سنوا ووضعوا من أسوأ العادات واخس الأخلاق وأقبحها وَبالجملة كُلَّ شَيْءٍ صدر ويصدر عن عبادنا قد أَحْصَيْناهُ وفصلناه بحيث لا يشذ عن حيطة احصائنا وتفصيلنا شيء من نقير وقطمير بل الكل مكتوب مثبت فِي إِمامٍ مُبِينٍ هو لوح قضائنا المحفوظ وحضرة علمنا المحيط

وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا اى مثل يا أكمل الرسل للمشركين المصرين على الشرك والطغيان مثلا من الذين خلوا من قبلهم مصرين على الضلال والعناد أمثالهم بحيث لا ينفعهم إنذار منذر وارشاد مرشد يعنى أَصْحابَ الْقَرْيَةِ المصرين على الشرك والعناد المنهمكين في بحر الغفلة والغرور والقرية هي انطاكية والمبشر المنذر هو عيسى صلوات الرحمن عليه وسلامه اذكر يا أكمل الرسل وقت إِذْ جاءَهَا اى الى اهل القرية الْمُرْسَلُونَ تترى من قبل عيسى عليه السلام ليرشدوا أهلها الى الايمان والتوحيد

إِذْ أَرْسَلْنا وأمرنا لنبينا عيسى عليه السلام أولا بالإرسال إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ هما يونس ويحيى وقيل غيرهما فلما جاءا إليهم واظهرا دعوتهم الى التوحيد وكانوا من عبدة الأصنام فَكَذَّبُوهُما اى فاجؤا بتكذيبهما بلا تراخ ومهلة وتأمل وتدبر وبعد ما كذبوهما ولم يقبلوا منهما دعوتهما بل ضربوهما وحبسوهما واستهزؤا بقولهما ودعوتهما فَعَزَّزْنا اى قد قوينا وايدناهما بِثالِثٍ اى برسول ثالث وهو شمعون فَقالُوا اى الرسل بعد ما صاروا جماعة إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ من قبل عيسى المرسل من قبل الحق على الحق لترويج كلمة الحق ننذركم بالعذاب الشديد النازل عليكم بشؤم ما أنتم عليه من الباطل الفاسد ألا وهو عبادة الأوثان وندعوكم الى طريق الحق الحقيق بالالوهية والربوبية المستحق للمعبودية والعبودية ونرشدكم ونهديكم الى دينه المنزل عليه من قبل ربه وبعد ما سمع المشركون منهم ما سمعوا

قالُوا في جوابهم مستبعدين منكرين ما أَنْتُمْ ايها المدعون للرسالة من عند الله الواحد الأحد الصمد الفرد الوتر الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد على ظنكم وزعمكم إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا لا مناسبة لكم مع مرسلكم الذي ليس هو من جنس البشر فلا بد من المناسبة بين المرسل والمرسل وَدعواكم الإنزال والإرسال من عند الإله المنزه عن المكان والجهة ما هي

<<  <  ج: ص:  >  >>