للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا ليس اجرنا الأعلى ربنا ثم التفت الحبيب نحو القوم وقالَ يا قَوْمِ ناداهم وأضافهم على نفسه ليقبلوا منه كلامه وكان مشهورا بينهم بالورع والاعتدال الأخلاق اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ المبعوثين إليكم بالحق ليرشدوكم الى طريق الحق وتوحيده وانما جمع المرسلون مع انهما اثنان لان الحبيب منهم حقيقة وبالجملة

اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً اى اتبعوا هاديا بالحق على الحق الى الحق خالصا لوجه الحق بلا غرض نفسانى من جعل وغيره كالمتشيخة المزورين الذين يجمعون بتلبيساتهم وتغريراتهم أموالا كثيرة من الضعفاء الحمقى المتماثلين نحو أباطيلهم وتزويراتهم الزائغة وَكيف لا تتبعون ايها العقلاء الطالبون للهداية والصواب إياهم مع انهم هُمْ مُهْتَدُونَ متصفون بالرشد والهداية قولا وفعلا. ثم لما سمع القوم من الحبيب ما سمعوا عيروه وشنّعوا عليه وقالوا له لست أنت ايضا على ديننا ودين آبائنا بل ما أنت الا على دين هؤلاء المدعين

وَبعد ما تفرس الحبيب منهم الإنكار عليه ايضا قال كلاما ناشئا عن محض الحكمة والفطنة على وجه العظة والتذكير لنفسه ليتعظوا به على سبيل الالتزام إذ هو اسلم الطرق في العظة والتذكير وادخل في النصيحة والتنبيه ما لِيَ اى أىّ شيء عرض على ولحق لي لا أَعْبُدُ ولا أتوجه على وجه التذلل والانكسار المعبود الَّذِي فَطَرَنِي على فطرة العبودية اى ابدعنى وأظهرني من كتم العدم ولم أك شيأ مذكورا ورباني بأنواع اللطف والكرم وأفاض على من موائد لطفه وإحسانه سيما العقل المفاض المرشد الى المبدأ والمعاد وَكيف لا اعبد ولا أتوجه نحوه إذ إِلَيْهِ سبحانه يعنى الحق الموصوف بالأوصاف والأسماء الحسنى ونعوت الجلال والجمال لا الى غيره من اظلال الأوثان والأصنام الحادثة الهالكة في حدود ذواتها العاطلة عن الأوصاف الكاملة المنحطة عن رتبة الألوهية والربوبية تُرْجَعُونَ أنتم ايها الاظلال الهالكون التائهون في بيداء ظهوره حيارى هائمين رجوع الأضواء الى شمس الذات والأمواج الى بحر الوحدة الذاتية

أَأنكر المعبود على الحق المظهر لما في الوجود وأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً باطلة من الأوثان عاطلة عن التصرفات مطلقا منحطة عن رتبة العبودية فكيف عن الربوبية والألوهية واسميهم شفعاء مغيثين لدى الحاجة مع انه إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ القادر المقتدر على اصناف الانعام والانتقام بِضُرٍّ اى مصيبة وسوء يتعلق مشيته سبحانه على انزاله الى لا تُغْنِ ولا تدفع عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً من بأس الله وعذابه بل لا تنفعني شفاعتهم أصلا وَلا يُنْقِذُونِ بالمعاونة والمظاهرة من عذابه سبحانه ايضا وبالجملة

إِنِّي بواسطة اتخاذي إياهم شركاء لله شفعاء عنده إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ وغواية عظيمة ظاهرة إذ اختيار ما لا ينفع ولا يضر على الضار النافع المعطى المانع او ادّعاء مشاركتهم معه او شفاعتهم عنده سبحانه من أشد الضلالات وأردإ الجهالات وبالجملة

إِنِّي بعد ما تفطنت بوحدة الحق وباستقلاله في الوجود والآثار قد آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ الذي هو ربي ورب جميع ما في حيطة الوجود وتحت ظله من الأكوان غيبا وشهادة واعترفت بتوحيده واستقلاله بالتصرف في ملكه وملكوته بعد ما كوشفت بوحدة ذاته فَاسْمَعُونِ يا ايها العقلاء السامعون المدركون مضمون قولي واتصفوا بما فيه وتذكروا به ان كنتم تعلمون فلما سمعوا منه توصيته وتذكيره أخذوا في قتله وإهلاكه فوطئوه بأرجلهم الى حيث يخرج امعاؤه من دبره وهو في تلك الحالة قد زاد انكشافه بربه واستولى عليه سلطان الوحدة وجذبته العناية الإلهية وأدركته الكرامة القدسية حيث

قِيلَ له من قبل الحق حينئذ اخرج من هويتك وانخلع

<<  <  ج: ص:  >  >>