للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كمال بغيكم وبغضكم على الله ورسله في النشأة الاولى قد انكرتم الرحمن وكذبتم الرسل الكرام فاليوم يلقيكم ما كذبتم به. ثم قال سبحانه تقريعا وتوبيخا على المشركين المنكرين لقدرته وكمال عزته وسطوته واستقلاله في تصرفات ملكه وملكوته وإظهارا لعلو شأنه وسمو برهانه بان أمثال هذه المقدورات في جنب قدرتنا الكاملة في غاية اليسر والسهولة لذلك

إِنْ كانَتْ اى ما كانت الفعلة منا في امر البعث وقيام الساعة وحشر الأموات إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً صادرة بأمرنا فجاءة ألا وهي الصيحة الثانية او ما وقعت الفعلة منا وبأمرنا الا صيحة واحدة فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ اى كل الأموات مجموعون لَدَيْنا مُحْضَرُونَ عندنا مع انه ما صدر عنا في إحضارهم وجمعهم الا صيحة واحدة دفعية

فَالْيَوْمَ اى بعد ما حضر الكل لدينا واجتمع عندنا للعرض والحساب وتنقيد الأعمال وجزاء الأفعال الصادرة عنهم في دار الاختبار لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ولا تنقص من أجور أعمالها الصالحة وَلا تزاد ايضا على فاسدها على مقتضى عدلنا بل لا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ اى بمقتضى عملهم ان خيرا فخير وان شرا فشر ثم فصل سبحانه احوال الأنام في النشأة الاخرى فقال

إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ ألا وهم الواصلون الى مقر التوحيد والمعرفة علما وعينا وحقا الْيَوْمَ اى يوم القيامة المعد للجزاء فِي شُغُلٍ عظيم من انواع المعارف والحقائق والمكاشفات والمشاهدات القالعة لعرق التقليدات والتخمينات التي هي من لوازم الإمكان الذي هو من أسفل دركات النيران فاكِهُونَ فرحون متلذذون ابدا بلا انقراض وانقضاء أصلا بل

هُمْ في شهودهم وَكذا أَزْواجُهُمْ التي هي نتائج أعمالهم الصالحة متمكنون فِي ظِلالٍ هي ظلال الأسماء والصفات الإلهية عَلَى الْأَرائِكِ اى هم على السرر العلية والدرجات السنية مُتَّكِؤُنَ متمكنون راسخون ثابتون لا يتحولون منها ولا ينقلبون

لَهُمْ فِيها عناية منا إياهم فاكِهَةٌ كثيرة من تجددات المعارف والحقائق وتلذذات الكشوفات والشهودات على مقتضى التجليات الإلهية وَبالجملة لَهُمْ فيها ما يَدَّعُونَ ويتمنون من مقتضيات التجليات المتشعشعة حسب الشئون والتطورات الإلهية التي لا نهاية لها بلا تناه وتكرر وقيل لهم من قبل الحق حينئذ

سَلامٌ اى تسليم وترحيب لهم وتكريم قَوْلًا ناشئا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ اى مرب مشفق لهم يربيهم بمقتضى سعة رحمته على فطرة التوحيد ويوصلهم الى مقر الوحدة الذاتية بعد ما رفعوا الشواغل المانعة عن التوجه إليها ورفضوا العلائق العائقة عن التمكن دونها والتحلي بها

وَقيل حينئذ للمشركين المصرين على الشرك والعناد امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ المفرطون المسرفون في الاعراض عن الله بمتابعة الشيطان المضل المغوى عن طريق توحيده وانصرفوا عن اهل التوحيد واليقين. ثم قرعهم سبحانه وعاتبهم زجرا لهم وطردا على وجه العموم لئلا يأمن ايضا المؤمنون المخلصون مع اطمئنانهم على الايمان ورسوخهم في العرفان

أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ ولم آخذ منكم موثقا وثيقا في مبدأ فطرتكم بألسنة استعداداتكم واقوال قابلياتكم أَنْ لا تَعْبُدُوا اى بان لا تعبدوا الشَّيْطانَ ولا تطيعوا امره ولا تقبلوا منه وسوسته وقوله المبعد المحرف لكم عن طريق توحيده وبالجملة انما أحذركم يا ابن آدم عن أطاعته وانقياده إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة والنزاع يريد ان يصدكم عما جبلتم عليه باغرائه واغوائه

وَأَنِ اعْبُدُونِي ووحدونى واعتقدوا كمال أسمائي وأوصافي واستقلالى في عموم تدبيراتى وتصرفاتي في ملكي وملكوتي وامتثلوا امرى ولا تشركوا معى في الوجود شيأ من مظاهري ومصنوعاتى هذا الموثوق صِراطٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>