للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُسْتَقِيمٌ

موصل الى توحيدي فاتخذوه سبيلا ولا تركنوا الى الذين ضلوا عن طريقي وظلموا أنفسهم بالخروج عن مقتضى حدودي واوامرى واحكامى وحكمى وتذكيراتى

وَكيف تعبدون الشيطان وتتبعون اثره وتنقادون امره ايها العقلاء المجبولون في فطرة الهداية والرشد مع انه لَقَدْ أَضَلَّ واغوى هذا المضل المغوى مِنْكُمْ يا بنى آدم جِبِلًّا كَثِيراً وجماعة متعددة من بنى نوعكم فانحرفوا بإضلاله عن سواء السبيل ونقضوا باغوائه واغرائه المواثيق الوثيقة والعهود المعهودة فحرموا بذلك عن الجنة الموعودة لهم فاستحقوا جهنم البعد ونيران الخذلان أَتعبدون الشيطان وتقتفون اثره فَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ اى لم تستعملوا عقولكم في فظاعة امره وشدة عداوته ووخامة عاقبة متابعته وفيما يترتب على إضلاله من العذاب المخلد والنكال المؤبد فتختارون متابعته ويقبلون منه تقريره وتتركون طريق الحق أفلا تعقلون ايها المسرفون المفرطون وقيل لهم حينئذ مشيرا الى منقلبهم ومثواهم

هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي قد كُنْتُمْ ايها الضالون المغرورون تُوعَدُونَ في النشأة الاولى بألسنة الرسل والكتب

اصْلَوْهَا وادخلوها الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ اى بشؤم ما تنكرون بذات الله وبكمال أسمائه وصفاته وبما تكذبون كتبه ورسله وتعرضون عنهم وعن دعوتهم ظلما وعدوانا وبعد ما عاينوا العذاب وانواع النكال وعلموا ان اسبابها ما هي الا أفعالهم الصادرة عنهم في دار الاختبار عزموا الى الإنكار وقصدوا ان يقولوا معتذرين والله ما كنا يا ربنا مشركين لك مكذبين كتبك ورسلك فيقول الله

الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ ونمنعها عن الكلام والتكلم حتى لا يتفوهوا بالأعذار الكاذبة وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ بما صدر عنهن ظلما وعدوانا وَتَشْهَدُ ايضا أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ بها من المعاصي والسعى في طلب المنهيات والمحرمات وبالجملة انطق الله العزيز العليم الخبير الحكيم جميع جوارحهم واركانهم فاعترف كل منها بما اقترف به صاحبه وفي الحديث صلوات الله وسلامه على قائله وحينئذ يقال للعبد كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا ثم قال فيختم على فيه فيقال لأركانه انطقى فينطق كل بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول للجوارح بعد ما أقرت واعترفت بعد الكنّ وسحقا فعنكن كنت أناضل انتهى الحديث والسر في إنطاق الله سبحانه الأعضاء والجوارح بما صدر عنها هو الإشارة الى ان الالتفات الى السوى والأغيار مطلقا مضر لذوي الألباب والاعتبار وسبب تفضيح وتخذيل لدى الملك الجبار الغيور القهار فلا تذهب الا الى الله ولا تصحب الا مع الله ولا تعتمد الا بالله ولا تتوكل الا على الله وبالجملة فاتخذ الله وكيلا وكفاك سبحانه حسيبا وكفيلا. رزقك الله وإيانا حلاوة صحبته وجنبك وإيانا عن الالتفات الى غيره بمنه وجوده. ثم قال سبحانه اظهار الكمال قدرته واختياره

وَكما ختمنا على أفواههم حينئذ وطبعنا على قلوبهم قبل ذلك حين لم يقبلوا دعوة الرسل لَوْ نَشاءُ ان نعميهم ونذهب بأبصارهم لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ وصيرناهم مطموسة ممسوجة كسائر أعضائهم بحيث لا يبدو لها جفن ولا شق فَاسْتَبَقُوا وبادروا الصِّراطَ والطريق المعهود لهم وهم قد مروا عليها مرارا كثيرة فَأَنَّى يُبْصِرُونَ فكيف يبصرونه بعد ما صاروا مطموسين بل

وَلَوْ نَشاءُ ان نسقطهم عن رتبة التكليف ودرجة الاعتبار لَمَسَخْناهُمْ واخرجناهم عن الرتبة الانسانية الى الحيوانية بل عن الحيوانية الى الجمادية ايضا الى ان صاروا جامدين خامدين عَلى مَكانَتِهِمْ كالجمادات الاخر بحيث لا يسع لهم ان يتحولوا عنها أصلا فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ يعنى لو نشاء مسخهم

<<  <  ج: ص:  >  >>