للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبحانه

أَذلِكَ المذكور من الرزق المعلوم واللذة المستمرة والنشوة الدائمة بلا صداع ولا خمار والحياة الابدية والمسرة السرمدية خَيْرٌ نُزُلًا لأهل الجنة العلية أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ لأهل النار ألا وهي ثمرة شجرة مرة كريهة الرائحة والطعم يستكرهه طباع اهل النار ألا انهم يتناولون منها للضرورة ثم لما عبر سبحانه عن نزل اهل الجحيم بالزقوم فسمعها كفار مكة قالوا كيف يكون في النار شجرة وثمرة ومن شأنها إحراق ما يجاورها فاستهزءوا برسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال ابن الزبعرى لصناديد قريش ان محمدا يخوفنا بالزقوم والزقوم بلسان بربر الزبد والتمر فأدخلهم ابو جهل في بيته فقال يا جارية زقمينا فأتتهم بالزبد والتمر فقال تزقموا فهذا ما يوعدكم به محمد صلّى الله عليه وسلّم فرد الله سبحانه قولهم واستهزاءهم بقوله

إِنَّا جَعَلْناها اى الشجرة المذكورة فِتْنَةً وابتلاء لِلظَّالِمِينَ وسببا لازدياد العذاب واشتداد النكال عليهم إذ هم يتقاولون فيها ويحملونها الى لغة اخرى ويتخذون لها محملا جيدا ويستهزؤن بها مع النبي صلّى الله عليه وسلم فيستحقون أسوأ العذاب والعقاب ويطعمون منها حين دخولهم في النار وبالجملة

إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ وتنبت فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ اى منبتها في قعرها وأغصانها في دركاتها

طَلْعُها اى ثمرتها التي تطلع منها وتحصل كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ في القبح والهجنة هذا من قبيل تشبيه المحسوس بالمتخيل كتشبيه الطيور الحسنة بالملائكة يعنى تستكره من رؤيتها الطباع استكراهها من رؤس المردة من الجن المصورة على أقبح الصور وأهولها

فَإِنَّهُمْ اى أولئك المنكرين المستهزئين وجميع من في النار من الكافرين لَآكِلُونَ مِنْها إذ لا مأكول لهم فيها سواها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ اى يملؤون بطونهم منها لشدة الجوع او يجبرون ويكرهون لأكلها زجرا عليهم وتشديدا لعذابهم إذ هي احر من النار وأبرد من الزمهرير

ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ بعد ما ملئوا بطونهم منها إذ لا مأكول مع كمال حرارتها واشتداد العطش عليهم عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ اى خلطا ومزجا من ماء حار في غاية الحرارة بعد ان تخرجهم الخزنة من الجحيم وتوردهم إليها ورود البهائم الى الماء فيشربون منها فيقطع أمعاءهم

ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ بعد ما اصدرتهم الخزنة وأخرجتهم من الماء لَإِلَى الْجَحِيمِ البتة إذ لا مرجع لهم سواها وانما ابتلوا بما ابتلوا به من العذاب المؤيد والعقاب المخلد

إِنَّهُمْ أَلْفَوْا اى قد صادفوا ووجدوا آباءَهُمْ ضالِّينَ منحرفين عن سبل السلامة وجادة الاستقامة التي هي التوحيد والإسلام

فَهُمْ اى هؤلاء الأخلاف الأجلاف بعد ما وجدوا أسلافهم كذلك عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ يسرعون على الفور ويعملون مثل عملهم تقليدا لهم بلا تدبر وتأمل

وَبالجملة لَقَدْ ضَلَّ وانحرف عن جادة العدالة قَبْلَهُمْ اى قبل قومك يا أكمل الرسل أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ من الأمم السالفة

وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ بعد ما ضلوا وأضلوا عن صراط الحق وجادة توحيده مُنْذِرِينَ مثل ما أرسلناك الى هؤلاء الضالين المنصرفين عن الطريق المستبين بالإنذارات البليغة والتخويفات الشديدة فلم يفدهم انذاراتهم كما لم يفد إنذارك الى هؤلاء المسرفين المفرطين فأخذناهم بغتة واستأصلناهم مرة

فَانْظُرْ ايها المعتبر المستبصر كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ بعد ما انذروا بالإنذارات البليغة الواصلة إليهم من الرسل ولم يتنبهوا منها الى الطريق المستبين بل التزموا الضلالة جاسرين فانقلبوا صاغرين

إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ الذين تنبهوا منها الى الصراط المستقيم بل تفطنوا الى الحق اليقين فصرفوا عن العذاب الأليم الى النقيم المقيم لذلك انقلبوا بنعمة من الله وفضل عظيم. ثم أخذ سبحانه في تعداد اهل

<<  <  ج: ص:  >  >>