للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضلال الجاحدين على الرسل المنذرين بعد ما أجمل فقال

وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ حين أردنا إهلاك قومه بالطوفان نداء مؤمل ضريع لاستخلاصه واستخلاص من آمن معه من قومه فأجبنا له فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ نحن لأوليائنا المخلصين

وَلهذا نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ اى من آمن معه مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ اى من الغم الذي لحقه دائما من أذى قومه وضربهم ومن انواع زجرهم وشتمهم إياه او من كرب الطوفان

وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ اى من تناسل منه ومن ابنائه هُمُ الْباقِينَ الى قيام الساعة. روى انه مات بعد ما نزل في السفينة من كان معه من المؤمنين ولم يبق الا هو وبنوه وأزواجهم فتناسلوا الى انقراض الدنيا كما قال سبحانه

وَتَرَكْنا عَلَيْهِ اى أبقينا عليه ذكرا جميلا وثناء جزيلا فِي الْآخِرِينَ اى في الأمم المتخلفة عنه فهم يذكرونه بالخير ويقولون تكريما وترحيبا

سَلامٌ اى تسليم وتكريم من الله ومن خواص عباده عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ اى في النشأة الاولى والاخرى

إِنَّا بمقتضى لطفنا وجودنا لخلص عبادنا كَذلِكَ اى مثل ما جزينا نوحا على إحسانه وإخلاصه نَجْزِي جميع الْمُحْسِنِينَ من عبادنا لما أنابوا إلينا وتوجهوا نحونا على وجه الإخلاص وكيف لا نبقى له ذكرا جميلا ولا نجزيه جزاء جزيلا

إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ الموقنين بتوحيدنا المتوكلين علينا المفوضين أمورهم كلها إلينا المخلصين في عموم ما جاءوا به من الأعمال والأفعال

ثُمَّ انا بمقتضى لطفنا فعلنا معه ما فعلنا من الانعام والإحسان ونجيناه عن كرب الطوفان قد أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ اى كفار قومه واستأصلناهم الى حيث لم نبق منهم أحدا على وجه الأرض سوى اشياعه واصحاب سفينته اى المؤمنين به ومن تشعب وتناسل منهم

وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ اى من جملة من شايعه في التوحيد والايمان بل من اجلة من تابعه في اصول الدين ومعالم التوحيد واليقين لَإِبْراهِيمَ المتصف بكمال العلم والحلم والمعرفة وان طال الزمان بينهما قيل كان بين نوح وابراهيم عليهما السلام الفان وستمائة وأربعين سنة اذكر يا أكمل الرسل وقت

إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ سالم عن جميع الميول الباطلة والآراء الفاسدة واذكر ايضا وقت

إِذْ قالَ جدك ابراهيم الخليل الجليل صلوات الله عليه وسلامه لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ حين انكشف بالتوحيد الإلهي وتمكن في مرتبة الشهود العيني والحقي مستفهما على سبيل الإنكار والتوبيخ غيرة على الله وإظهارا لمقتضى الخلة ماذا تَعْبُدُونَ اى لأي شيء تعبدون هذه الأصنام الباطلة العاطلة عن لوازم الألوهية والربوبية ايها الجاهلون بتوحيد الله وبكمال أوصافه وأسمائه

أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ اى أتريدون ايها المعاندون ان تثبتوا آلهة متعددة سوى الله الواحد الأحد الصمد القيوم المطلق المستحق للالوهية والربوبية استحقاقا ذاتيا ووصفيا على سبيل الإفك والمراء والكذب والافتراء

فَما ظَنُّكُمْ وزعمكم ايها الجاهلون المكابرون بِرَبِّ الْعالَمِينَ أتظنون ان له شريكا في الوجود اوله نظيرا في الشهود او سواه موجودا والله ما ظنكم هذا الا الخيال الباطل والزيغ الزائل وبعد ما سمعوا منه ما سمعوا انصرفوا عنه وأنكروا عليه وعلى ربه فأراد عليه السلام ان يكايدهم في أصنامهم ويخادع معهم في كسرها وقد قرب حينئذ يوم عيدهم وكان من عادتهم الإتيان بالقرابين والهدايا عند أصنامهم ومعابدهم فيتقربون بها ويتخذون منها أنواعا من الأطعمة فيطبخونها عندها في ليلة العيد ثم يخرجون صبح العيد الى الصحراء فيتعيدون فيها بأجمعهم ثم ينصرفون منها فينزلون الى معابدهم وعند أصنامهم ويمهدون موائد كثيرة من الأطعمة المهيئة فيأكلون منها ويتبركون بها وكان عادتهم كذلك ثم لما اجتمعوا في المعبد عند الأصنام

<<  <  ج: ص:  >  >>