للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغياهب وترتفع النوائب مع انا

ما سَمِعْنا بِهذا اى بالتوحيد الذي يقوله هذا المدعى فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ التي هي النصرانية إذ النصارى يقولون بالأقانيم الثلاثة ولم ينقل منهم توحيد الإله ولا من الذين مضوا من ارباب الملل السالفة وبالجملة إِنْ هذا اى ما هذا التوحيد الذي ظهر به هذا المدعى إِلَّا اخْتِلاقٌ اى كذب قد اخترعه من تلقاء نفسه ونسبه الى الوحى افتراء ومراء قاصدا به التغرير والتلبيس على ضعفة الأنام

أَتعتقدون ايها العقلاء المتدربون بان أُنْزِلَ عَلَيْهِ اى على يتيم ابى طالب الذِّكْرُ اى الوحى والقرآن مِنْ بَيْنِنا مع انه مثلنا ومن بنى نوعنا بل هو أدون منا وأدنانا ونحن اشرف منه واكبر سنا واكثر أموالا واولادا وأكرم جاها وثروة وأعلى رئاسة وسيادة انما يقولون هذا على سبيل الإنكار والاستبعاد لا انهم معتقدون على الوحى والإنزال بل على وجه الفرض والمراء بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ وريب عظيم مِنْ ذِكْرِي ووحيي اليه والهامى إياه بل الى عموم المرسلين وانى هو بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ اى انما قالوا هذا وشكوا في الوحى وارتابوا فيه لأنهم لم يذوقوا عذابي ولو انهم ذا قوة لما قالوا فمن اين يحكمون هذا ويقولون ان الوحى لو نزل لنزل على رؤسائنا وساداتنا أهم يعلمون الغيب

أَمْ عِنْدَهُمْ اى عند أولئك البعداء المنهمكين في بحر الغفلة والضلال خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ يا أكمل الرسل ومقاليد نعمه ومفاتيح كرمه ليكون لهم الخيرة في امره سبحانه فيعطونها من يشاء ويمنعونها عن من يشاء فكيف يحكمون على الْعَزِيزِ الغالب على امره في تصرفات ملكه وملكوته بالاستقلال والاختيار الْوَهَّابِ على من شاء وأراد بلا مشاورة ومظاهرة

أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما اى أيدعون ان لهم التصرف في العلويات والسفليات والممتزجات وان ادعوا ذلك لأنفسهم فَلْيَرْتَقُوا وليصعدوا فِي عالم الْأَسْبابِ والسموات التي هي معارج الوصول الى منشأ الوحى والإلهام ومنبع النزول والإنزال فليأتوا بالوحي الى من أرادوا واختاروا وبالجملة من اين يتأتى لأولئك الكفرة الفجرة المقهورين الصاغرين الخيرة في امره سبحانه وحكمه بمقتضى قضائه حتى يتفوهوا عنه وعن أفعاله وأحكامه إذ لا يسع لاحد من أقوياء عباده ان يسأل عن فعله سبحانه مع ان أولئك الحمقى

جُنْدٌ ما شرذمة قليلة في غاية القلة هُنالِكَ اى في محل ومقام قد وضعوا ونصبوا أنفسهم بمعاداتك يا أكمل الرسل وصاروا متمكنين في ابعد الأمكنة وأعلى المرتبة على زعمهم مع انه هم في أنفسهم مَهْزُومٌ مغلوب مِنَ جميع الْأَحْزابِ إذ هم بالنسبة الى الكفرة الذين تحزبوا على رسل الله وأنبيائه في غاية القلة والضعف وهم مع كمال شدتهم وقوتهم ووفور شوكتهم وصولتهم قد انهزموا واستؤصلوا الى حيث لم يبق منهم احد على وجه الأرض فكيف هؤلاء اذكر يا أكمل الرسل وقت إذ

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ مع شدة قوتهم وقدرتهم أخاك نوحا عليه السلام فأغرقناهم أجمعين بالطوفان وَكذا كذبت عادٌ مع نهاية عتوهم وعنادهم أخاك هودا عليه السلام فأهلكناهم بالريح العقيم وَكذبت فِرْعَوْنُ اى هو وقومه مع انهم ذُو الْأَوْتادِ اى اصحاب الدولة الثابتة الراسخة التي قد ادعى فرعون بها الألوهية لنفسه أخاك موسى عليه السلام فأغرقناه وجنوده في اليم

وَايضا قد كذبت ثَمُودُ المتناهون في القوة والشدة أخاك صالحا عليه السلام فأهلكناهم بالصيحة الهائلة وَقَوْمُ لُوطٍ المتبالغون في الجحود والإنكار على الله وحدوده قد كذبوا أخاك لوطا عليه السلام فقلبنا عليهم ديارهم وأمطرنا عليهم حجارة فأهلكناهم بها وَكذبت أَصْحابُ الْأَيْكَةِ أخاك شعيبا

<<  <  ج: ص:  >  >>