للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاستأصلناهم كذلك وبالجملة أُولئِكَ البعداء المنحرفون عن صوب السداد والصواب هم الْأَحْزابُ الذين قد كذبوا الرسل وتحزبوا عليهم وقاتلوا معهم مع كونهم أشداء أقوياء فانهزموا عنهم بنصرنا إياهم فغلبوا هنا لك وانقلبوا صاغرين وبالجملة

إِنْ كُلٌّ اى ما كل من الأمم السالفة الهالكة المذكورة إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ المذكورين فَحَقَّ اى لزم وثبت لذلك ولحق عليهم عِقابِ اى انواع عذابي ونكالي عاجلا وآجلا

وَبالجملة ما يَنْظُرُ هؤُلاءِ المعاندون المنكرون لدينك المكذبون لرسالتك وكتابك إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ينفخها اسرافيل في الصور باذن منا فيسمع هؤلاء الضالون فيموتون على الفور بلا توقف إذ ما لَها اى لتلك الصيحة واهلاكها وافنائها السامعين مِنْ فَواقٍ قرار ووقوف مقدار خروج النفس ورجوعه وهذا كناية عن سرعة نفوذ قضاء الله حين حلول عذابه عليهم الى حيث لا يسع فيه تميز التقدم والتأخر أصلا بل ينزل بغتة

وَبعد ما سمع كفار مكة أوصاف اهوال يوم الجزاء وافتراق الناس فيها فرقا وأحزابا بعضهم اصحاب يمين وبعضهم اصحاب شمال فيعطى لكل فرد كتاب قد كتبت فيه أعمالهم الصالحة والفاسدة فيحاسب كل على اعماله فيجازى على وفقها قالُوا مستهزئين متهكمين يعنى اهل مكة بعد ما سمعوا اهوال يوم الجزاء وافزاعها رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا اى قسطنا وحظنا ونصيبنا من العذاب المترتب على أعمالنا المثبتة في صحيفتنا المكتوبة فيها قَبْلَ حلول يَوْمِ الْحِسابِ ونحن نرضى بها وبالعذاب المستتبعة لها بلا حساب وبعد ما قالوا كذلك واستهزؤا مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم وضحكوا من قوله ونسبوه الى الخبط والجنون امر سبحانه حبيبه بالتصبر على مقاساة ما جاءوا به مما لا يليق بشأنه فقال

اصْبِرْ يا أكمل الرسل عَلى ما يَقُولُونَ لك وفي شأنك أولئك الجاهلون عنادا ومكابرة ولا تلتفت الى هذياناتهم ولا تحزن من أباطيلهم المستهجنة فعليك يا أكمل الرسل ان توطن نفسك على الصبر المأمور ولا تتجاوز عن مقتضاه ولا تتعب نفسك بالقلق والاضطراب والمجادلة معهم والمخاصمة إياهم الى ان نكف عنك شرورهم ولا تلتفت الى هواجس نفسك حتى لا تقع في محل الخطاب والعتاب وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ وما جرى عليه من العتاب الإلهي من عدم حفظ نفسه عن مقتضياتها ومشتهياتها حتى ابتلاه الله سبحانه بما ابتلاه مع انه كان ذَا الْأَيْدِ اى صاحب القدرة والقوة التامة الكاملة في الإطاعة والعبادة وحفظ النفس عن محازم الله ومنهياته وكيف لا يكون كذلك إِنَّهُ أَوَّابٌ رجاع الى الله والى مرضاته سبحانه في جميع حالاته ومن كمال رجوعه إلينا وحفظه لمرضاتنا

إِنَّا من مقام عظيم جودنا إياه قد سَخَّرْنَا الْجِبالَ له وجعلناها تحت حكمه الى حيث سارت مَعَهُ حيث شاء يُسَبِّحْنَ بمتابعته وموافقته حين صبح ونزه بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ اى بالليل والنهار يعنى ما دام يميل ويتوجه الى ربه مالت الجبال معه ازديادا لثوابه وتكثيرا لفوائده

وَكذا سخرنا له الطَّيْرَ اى جنس الطيور يجتمعن حوله مَحْشُورَةً على فنائه مسخرة لحكمه على قراءة النصب والطير محشورة عنده محكومة لأمره يسبحن بمتابعته بالغدو والآصال كتسبيح الجبال على قراءة الرفع وبالجملة كُلٌّ اى كل واحد من داود وكذا من الجبال والطيور بمتابعته لَهُ أَوَّابٌ اى لأجله رجاع الى الله مسبح له سبحانه مقدس عما لا يليق بشأنه على سبيل الاستمرار والدوام

وَمن كمال لطفنا وجودنا معه قد شَدَدْنا له مُلْكَهُ الظاهر اى قوينا استيلاءه وسلطناه على الأنام وألقينا هيبته وابهته على قلوبهم الى حيث لم يقدروا ان يخرجوا

<<  <  ج: ص:  >  >>