للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن مقتضيات الحدود الإلهية الموضوعة في شرعه خوفا من اطلاعه وسبب هيبته انه تحاكم عنده رجلان فادعى أحدهما على الآخر بانه غصب منه بقرة عدوانا وظلما فأنكر الآخر ولم يكن للمدعى بينة فاريناه في منامه غاية مناه إياه وتأييدا ان يقتل المدعى عليه ويحكم بالبقرة للمدعى فلما استيقظ كذب حلمه واستغفر فنام فاريناه مثل ذلك واستيقظ فاستغفر ثانيا فنام فرأى ثالثا مثل ذلك فتيقن انه من الله فهم ان يقتله تنفيذا لما الهم اليه فقال المدعى عليه أتقتلني بلا بينة فقال عليه السلام نعم والله لأنفذن حكم الله فيك فلما تفطن الرجل منه الجزم في عزمه اضطر الى الاعتراف حيث قال لا تعجل يا نبي الله حتى أخبرك والله ما أخذتني بهذا الذنب ظلما وزورا ولكني قد قتلت والد هذا المدعى اغتيالا وخداعا فقتله عليه السلام حدا وعظمت هيبته في قلوب الناس حتى انزجروا عن مطلق المحرمات والمنهيات خوفا من اطلاعه وقالوا لا نعمل شيأ الا وقد علمه فيقضى علينا حسب علمه هذا تقويتنا وتأييدنا إياه بحسب الظاهر وبمقتضى السلطنة الصورية وَاما بحسب الباطن والحقيقة قد آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ البالغة المتقنة التي يتصرف بها في حقائق الأمور ويطلع على سرائرها بنور النبوة والولاية الموروثة له من اسلافه الكرام الموهوبة إياه من الحكيم العلام تأييدا له وتقوية لشأنه وَقد آتيناه ايضا فَصْلَ الْخِطابِ اى قطع الخصومات على التفصيل الذي قد وقع بين المتخاصمين بلا حيف وميل الى جانب احد على ما هو مقتضى العدل الإلهي بالخطاب المفصل الموضح الواضح المقتصد بلا اختصار مخل واطناب ممل وبالجملة بلا إغلاق يشتبه مضمونه على المتخاصمين

وَهَلْ أَتاكَ وقد حصل عندك يا أكمل الرسل نَبَأُ الْخَصْمِ اى حديث الملكين المصورين بصورة الخصمين اللذين جاءا للحكومة عند أخيك داود عليه السلام حين اعتكف في محرابه للعبادة معتزلا عن الناس على ما هو عادته من تقسيم أيامه ثلاثة اقسام يوم لعيش النساء ويوم للحكومة وقطع الخصومة بين الأنام ويوم للتوجه نحو الحق والمناجاة معه سبحانه في محرابه وقد كان يوما في محرابه والباب مغلق عليه والحراس على الباب فجاء الملكان على صورة رجلين متخاصمين على الباب فمنعهما البواب فأخذا مستعليين المحراب اذكر خبر وقت إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ اى صعدوا على حائط المحراب واستعلوا على سوره بقصد الدخول عليه ثم اذكر

إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ من غير الباب بان شق لهم الجدار فَفَزِعَ داود مِنْهُمْ واستوحش من دخولهم لا من الطريق المعهود وبعد ما تفرسوا منه الرعب والفزع قالُوا له تسلية وتسكينا لا تَخَفْ منا ولا تحزن عن إلمامنا إياك إذ نحن خَصْمانِ تحاكمنا إليك حتى تقضى بيننا قد بَغى اى ظلم وتعدى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ اى أحدنا على الآخر فَاحْكُمْ ايها الحاكم العادل العالم بَيْنَنا بِالْحَقِّ اى بالعدل السوى وَلا تُشْطِطْ اى لا تمل ولا تتجاوز عن مقتضى القسط الإلهي وَبالجملة اهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ اى اعدل الطرق وأقوم السبل في سلوك طريق الحق ثم أخذا في تقرير المسألة وتحرير الدعوى فقال أحدهما

إِنَّ هذا أَخِي في الدين ورفيقي في سلوك طريق التوحيد واليقين لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وهي الأنثى من الضأن قد كنى بها العرب عن المرأة وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فقط فَقالَ لي عدوانا وظلما أَكْفِلْنِيها واجعلنى كافلا لها ومالكا إياها حتى تصير نعاجى مائة ولم تبق لك نعجة وَمع ذلك لم يقتصر على مجرد القول بل قد عَزَّنِي وغلب على فِي مضمون هذا الْخِطابِ المذكور بحجج لا اقدر على دفعه ولا اسع المقاومة معه وبعد ما سمع عليه السلام كلام المدعى وتأمل في تقريره قال

<<  <  ج: ص:  >  >>