للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمدعى عليه هل تصدقه فيما ادعاه عليك قال بلى ثم التفت عليه السلام نحو المدعى متعجبا مستبعدا عما جرى عليه من الظلم والعدوان حيث

قالَ تالله لَقَدْ ظَلَمَكَ هذا الظالم ظلما صريحا بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ هذه ليأخذها منك ويضيفها إِلى نِعاجِهِ ليكثرها بها ويخالطها معها حرصا منه الى تكميل مشتهيات نفسه الامارة بالسوء وَبالجملة لا تستبدع هذا الأمر ولا تستبعد منه هذا بل إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ الذين خلطوا أموالهم وتشاركوا فيها لَيَبْغِي اى يظلم ويتعدى بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ظلما وزورا إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا بالله من الخلطاء واستقاموا على صراطه الموضوع من عنده على العدالة والاستقامة وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ المرضية عنده سبحانه سيما في الأمور المتعلقة لحقوق عباده وَلكن قَلِيلٌ ما هُمْ اى هم قليل في الدنيا في غاية القلة والندرة وما مزيدة زيد لتأكيد القلة والإبهام ثم التفت عليه السلام الى المدعى عليه فقال له بعد ما سمع منه اعترافه ان رمت وقلت هذا هكذا مرة اخرى قد ضربنا وقطعنا منك هذا وأشار الى طرف انفه فقال المدعى عليه أنت ايها الحاكم أحق بذلك الضرب فنظر عليه السلام ولم ير أحدا وَحينئذ ظَنَّ بل تيقن داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ وابتليناه بالذنب الذي صدر عنه فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ عما جرى عليه من افتتان الله إياه وَخَرَّ سقط ساجدا من خشية الله بعد ما كان راكِعاً مكسور الظهر منكوس الرأس عن ارتكاب الذنب وَأَنابَ إلينا على وجه الندم والخجل مستحييا عنا مستوحشا عن سخطنا وغضبنا إياه

فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ الذنب بعد ما قد أخلص في الانابة والرجوع إلينا بل جميع ذنوبه التي صدرت عنه هفوة وَكيف لا نغفر إِنَّ لَهُ اى لداود عليه السلام عِنْدَنا وفي ساحة قربتنا وحضرة عزتنا لَزُلْفى لقربة ومنزلة رفيعة وَحُسْنَ مَآبٍ اى خير مرجع ومنقلب من مقامات القرب ودرجات الوصول ثم لما عاتب سبحانه داود عليه السلام بما عاتب وقبل توبته بعد ما استغفر وأثاب أراد سبحانه من كمال خلوصه في توبته ورجوعه نحو الحق عن صميم طويته ان يشرفه بخلعة الخلافة فقال مناديا له إظهارا لكمال اللطف والكرم معه

يا داوُدُ المتأثر عن عتبنا التائب إلينا المنيب نحونا عن محض الندم والإخلاص إِنَّا بعد ما طهرناك عن لوث بشريتك وغفرنا لك ما طرأ عليك من لوازم هويتك ولو أحق ناسوتك قد جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ التي هي محل الكون والفساد وانواع الفتن والعناد فلك ان تستخلف عليها نيابة عنا فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ المستحكمين منك المترددين إليك في الوقائع والخطوب ملتبسا بِالْحَقِّ السوى بلا ميل الى كلا طرفي الإفراط والتفريط على الوجه الذي وصل إليك في كتابنا صريحا واستنبطت أنت منه ضمنا وقياسا وَعليك انه لا تَتَّبِعِ الْهَوى مطلقا في حكوماتك وقطعك للخصومات بين الأنام يعنى عليك ان تراجع في عموم الاحكام الى كتابنا ولا تميل في حال من الأحوال الى ما تهويه نفسك ويقتضيه رأيك ويشتهيه قلبك مما يخالف الكتاب وان اتبعت اليه بعد ما نهيناك فَيُضِلَّكَ اتباعك إياه عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الموصل الى توحيده المبنى على القسط الصرف والعدالة الخالصة الحقيقية الحقية وبالجملة إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الواحد الأحد الصمد الفرد الذي قد استوى وتمكن على عروش عموم ما لمعت عليه بروق تجلياته بالقسط والاستقامة لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ يوم يرجعون الى الله ويحشرون الى عرصات العرض عليه بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ اى بسبب نسيانهم فطرتهم الاصلية وعهدهم الذي عهدوا مع الله فيها وانكارهم على تنقيد الحق أعمالهم في يوم البعث والجزاء

<<  <  ج: ص:  >  >>