للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضلالهم عن الايمان به وبجميع ما فيه من الأمور الاخروية

وَكيف لا نبعث الأموات ولا نحاسبها أعمالهم التي أتوا بها في دار الاختبار إذ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وجميع من فيها وما فيها وَالْأَرْضَ وجميع من عليها وما عليها وَكذا ما بَيْنَهُما من الممتزجات الكائنة فوق الأرض وتحت السماء باطِلًا عبثا بلا طائل ولا مصلحة تقتضيها الحكمة الباعثة على إظهارها مع انا ما كنا من العابثين اللاعبين وما يليق بشأننا ان ينسب أفعالنا الى العبث والبطلان والخلو عن الحكمة وبالجملة ذلِكَ القول ببطلان أفعالنا وخلوها عن الفائدة وعرائها عن الحكمة والمصلحة ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا بالحق العليم الحكيم واعرضوا عن الايمان به وأنكروا توحيده فاستحقوا بذلك الظن الفاسد أسوأ العذاب وأشد النكال فَوَيْلٌ عظيم وعذاب اليم لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ إذ هم في أوحش امكنة جهنم وأهولها واغورها

أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ المسرفين فِي الْأَرْضِ اى بل ظنوا وزعموا من غاية جهلهم وسخافة فطنتهم ورأيهم انا نسوى في الرتبة بين ارباب الهداية والايمان واصحاب الضلالة والطغيان أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ بل زعموا واعتقدوا مساواة اهل المغفرة والتقوى مع اصحاب الغفلة والهوى في اودية الضلالات بمتابعة اللذات والشهوات. ثم قال سبحانه مخاطبا لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم على سبيل العظة والتذكير هذا

كِتابٌ جامع لفوائد الكتب السالفة مشتمل على زوائد خلت عنها تلك الكتب قد أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ ايها النبي الجامع لجميع مراتب الوجود من مقام عظيم جودنا معك ومع من تبعك من المؤمنين مُبارَكٌ كثير الخير والبركة على من امتثل بأوامره واجتنب عن نواهيه وانكشف بما فيه من الرموز والإشارات المنبهة الى التوحيد وإسقاط الإضافات والتخلق بصفات الحق وأخلاقه والاتصاف بمقتضيات أسمائه الحسنى وأوصافه العظمى انما أنزلناه لِيَدَّبَّرُوا اى ليتدبروا المتدبرون المتفكرون في أساليب آياتِهِ الكريمة واتساق تراكيبه البديعة واقتضائها المعاني العجيبة المنتشئة المترشحة من بحر الذات حسب شئون الأسماء والصفات الظاهرة آثارها على وفق التجليات الحبية وَلِيَتَذَكَّرَ ويتعظ بعد ما تأمل وتدبر أُولُوا الْأَلْبابِ المستكشفون عن حقائق الموجودات ولباب الكائنات والفاسدات معرضين عن قشورها مطلقا

وَبعد ما كرمنا بتشريف خلعة الخلافة قد وَهَبْنا لِداوُدَ ولدا خلفا عنه وارثا لملكه وخلافته محييا اسمه ومراسم دينه ومعالم ملته يعنى سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ سليمان إذ هو مقبول عندنا مقرب في حضرتنا مكرم لدينا وكيف لا يكون كذلك إِنَّهُ أَوَّابٌ رجاع إلينا ملتجئ نحونا في عموم الأوقات وشمول الحالات على وجه الخلوص والتفويض التام اذكر يا أكمل الرسل كمال رجوعه وإخلاصه فيه وقت

إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ وهو مشمر الى الغزو وعازم عليه مهيّأ لأسبابه متمكن على كرسيه بضبط العسكر وتهيئة آلات القتال الصَّافِناتُ من الخيل وهي التي تدور سريعا كالرحى على طرف حافر من حوافره ان أراد الراكب تدويره وهي من أجمل أوصاف الخيل وأكملها عند اصحاب القتال إذ المبارز كثيرا ما يحتاج الى تدوير فرسه يوم الوغا الْجِيادُ سريعة الجري والعدو وذلك انه قد جلس على كرسيه يوما بعد ما فرغ من ورده في الظهيرة لاعداد اسباب القتال الذي قصد الخروج اليه يومئذ وجمع عدده فأمر بعرض الخيول عليه فعرض فاشغله الالتفات والتوجه نحو الخيول عن ورد عصره فتذكر والشمس قد غربت فاغتم غما شديدا وتحزن حزنا بليغا بحيث لم يطرأ عليه مثله

فَقالَ من شدة أسفه وضجرته متأوها

<<  <  ج: ص:  >  >>