للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِنْسانَ ضُرٌّ

اى لحقه شيء من اماراته ولاح عليه اثر من آثاره دَعا رَبَّهُ متضرعا نحوه مُنِيباً إِلَيْهِ إذ لا مرجع له سواه ملحا لكشفه وإزالته ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ سبحانه وأزال عنه ضره وكربه وأعطاه وأفاض عليه نِعْمَةً فائضة مِنْهُ سبحانه موهوبة له متعهدا إياه متفقدا حاله تعظيما له وتكريما نَسِيَ شكره لخالقه ونبذ وراء ظهره ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ سبحانه مِنْ قَبْلُ عند شدة ضره وسورة كربه وَمع ذلك لم يقتصر على النبذ والنسيان بل جَعَلَ اى قد أخذ واثبت لِلَّهِ الصمد المنزه عن الضد والند أَنْداداً وادعاهم شركاء له سبحانه وانما جعل وفعل كذلك لِيُضِلَّ الناس الناسين عهود ربهم عَنْ سَبِيلِهِ ويحرفهم عن طريق توحيده ساعيا في اغوائهم واضلالهم مجتهدا فيه قُلْ يا أكمل الرسل نيابة عنا مهددا إياهم تَمَتَّعْ ايها الضال المضل بِكُفْرِكَ هذا في نشأتك هذه قَلِيلًا اى زمانا قليلا ومدة يسيرة إِنَّكَ أنت البتة في النشأة الاخرى مِنْ أَصْحابِ النَّارِ اى من ملازميها وملاصقيها ومن جملة من فيها. ثم قال سبحانه أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ أيتعجب المشرك المثبت لنا شريكا بل شركاء وأندادا من تهديدنا إياه بالنار وعذابها فيظن ظنا كاذبا ان من هو قائم على أداء العبادات مواظب عليها آناءَ اللَّيْلِ اى في خلاله وأطراف النهار وساعاته ساجِداً متذللا واضعا جبهته على تراب المذلة من خشيتنا وَقائِماً على قدميه مدة متطاولة تعظيما لأمرنا ومع ذلك يَحْذَرُ الْآخِرَةَ اى من العذاب اللاحق له فيها حسب قهرنا وجلالنا وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ على مقتضى لطفه وجماله كهؤلاء الكفرة بالله الجهلة بشأنه المتخذين له أندادا ظلما وزورا مع تعاليه عنه سبحانه وبعد ما تفرست يا أكمل الرسل هذا الظن والتسوية منهم قُلْ لهم على سبيل التبكيت والإلزام مستفهما إياهم على سبيل التقريع والتوبيخ هَلْ يَسْتَوِي المكلفون الَّذِينَ يَعْلَمُونَ الحق بذاته وأسمائه وأوصافه ويعبدونه سبحانه حسب علمهم به وبأوامره ونواهيه وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ذاته ولا شيأ من أوصافه وأسمائه ولا يعبدون له ايضا كلا وحاشا من اين يتأتى المساواة فشتان ما بين العالم والجاهل والعابد والعاصي الا انه إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ اى ما يتذكر ولا يتعظ بأمثال هذه المواعظ والتذكيرات المنبهة على سرائر الوحدة الذاتية الا أولوا الباب الناظرون الى لب الأمور المعرضون عن قشوره

قُلْ يا أكمل الرسل نيابة عنا مناديا منا لخلص عبادنا يا عِبادِ أضافهم الى نفسه اختصاصا وتكريما الَّذِينَ آمَنُوا بوحدة ذاتى وبظهورى حسب شئوني وتطوراتى وبمقتضى أسمائي وصفاتي مقتضى ايمانكم التقوى عن مقتضيات الهوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ واجتنبوا عن محارمه ومنهياته واتصفوا بمأموراته واعلموا انه لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الأدب منكم مع الله فِي هذِهِ الدُّنْيا التي هي نشأة الاختبار والاعتبار حَسَنَةٌ بأضعافها وآلافها في الآخرة التي هي دار القرار فاعتبروا يا ذوى البصائر واولى الأبصار فعليكم الإتيان بالإحسان في كل حين وأوان ولا تخلوا عنه في كل زمان ومكان وَلا تفتروا عنه وعن المواظبة عليه بتفاقم الأحزان وتلاطم امواج الفتن في الأماكن والأوطان إذ أَرْضُ اللَّهِ المعدة لأداء العبادات والاشتغال بالطاعات واسِعَةٌ فسيحة فعليكم الجلاء لأجل الفراغ والخلاء فتهاجروا إليها متحملين عموم ما لحقكم من الشدائد والمتاعب في الانتقال والارتحال صابرين على مفارقة الأوطان والخلان ومصادفة الكروب والأحزان وبالجملة إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ المتحملون لانواع الشدائد والمشاق في طريق الايمان وسلوك سبيل العرفان أَجْرَهُمْ ويوفر عليهم الحسنات وانواع المثوبات

<<  <  ج: ص:  >  >>