للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لب اللباب. ثم قال سبحانه على سبيل التنبيه والتأديب

أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ يعنى اتسعى وتجتهد أنت يا أكمل الرسل في تخليص من قد ثبت منا في سابق قضائنا وحضرة علمنا الحكم بتعذيبه يعنى أبا لهب وولده واتباعه أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ اى أتظن أنت وتعتقد لنفسك انك تقدر على إنقاذ من هو مخلد في نار جهنم حسب قهرنا وغضبنا إياه كلا وحاشا فلا تتعب نفسك فيما ليس في وسعك إذ لا يبدل القول لدينا ولا يغير الحكم المبرم منا عندنا

لكِنِ المؤمنين الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ في جميع شئونهم وحالاتهم خائفين من قهره وغضبه راجين رحمته لَهُمْ عند ربهم غُرَفٌ ودرجات علية مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ ودرجات أعلى منها كأنها منازل مَبْنِيَّةٌ على الأرض بعضها فوق بعض على تفاوت طبقاتهم في مراتب القرب تَجْرِي على التعاقب والتوالي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ اى انهار المعارف والحقائق المترشحة من بحر الذات على مقتضى استعداداتهم الفطرية الموهوبة لهم بمقتضى الجود الإلهي وما كان ذلك الا حسب ما وَعْدَ اللَّهِ الذي وعدها لخلص عباده الذين سلكوا في سبيل توحيده متعطشين الى زلال لقائه فله ان ينجزه سبحانه حتما إذ لا يُخْلِفُ اللَّهُ القادر المقتدر على عموم ما شاء وأراد الْمِيعادَ الذي وعده للعباد سيما لأهل العناية منهم

أَتتعجب وتستبعد من الله انجاز المواعيد الموعودة من عنده ولَمْ تَرَ ايها المعتبر الرائي أَنَّ اللَّهَ القادر المقتدر بالإرادة والاختيار قد أَنْزَلَ وأفاض بمقتضى جوده المعهود ووعده الموعود مِنَ السَّماءِ اى عالم الأسماء والصفات ماءً اى حياة مترشحة من عين الوجود وبحر الذات فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ اى قد ادخله في ينابيع التعينات وعيون الهويات المنعكسة من تلك الأسماء والصفات وأجراه فِي الْأَرْضِ اى ارض الطبيعة القابلة لقبول الآثار الفائضة عليها ثُمَّ بعد اجرائه عليها يُخْرِجُ بِهِ بمقتضى حكمته المتقنة زَرْعاً اى هياكل وتعينات أنواعا وأصنافا مثمرة ثمرات انواع العقائد والمعارف والحقائق مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ حسب اختلاف الاستعدادات الفائضة عليها من عنده ثُمَّ يَهِيجُ اى بعد ما ظهر منها ما ظهر وترتب عليها ما ترتب يجف وييبس الى حيث يذهب نضارتها ورواؤها المترتبة على الإمداد الإلهي فَتَراهُ حينئذ مُصْفَرًّا مشرفا على الاضمحلال والانعدام ثُمَّ يَجْعَلُهُ يقبض ما فيه من رشاشات الحياة حُطاماً لتاتا رفاتا تذروه رياح الآجال وتعيده الى ما عليه من العدم إِنَّ فِي ذلِكَ المذكور لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ اى تذكيرا بليغا وبرهانا قاطعا شاطعا على وجوب وجود من هو منيع عموم الكرم والجود ومبدأ جميع الموجود لا يطرأ عليه زوال ولا يعرضه تحول وانتقال ليس كمثله شيء وهو السميع البصير الا انه لا يتذكر به ولا يتنبه منه الا أولوا الألباب الناظرون بنور الله على لب الأمور المعرضون عن قشوره. ثم قال سبحانه

أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ يعنى أيستوى من وسع الله قلبه لنزول سلطان توحيده ووفقه لقبول شعائر الإسلام ومعالم الدين المبين له دلائل التوحيد واليقين فَهُوَ بواسطة شرح الله صدره وتوفيقه إياه عَلى نُورٍ انكشاف تام ويقين كامل مِنْ رَبِّهِ بحيث قد فنى فيه وبقي ببقائه ونظر بنوره حيث نظر ورأى آيات ربه الكبرى في عموم ما ابصر ورأى ومن طبع الله على قلبه وختم على سمعه وبصره فأعماه عن ابصار آيات وجوب وجوده وأصمه عن استماع دلائل توحيده كلا وحاشا مساواة ذا مع هذا بل فَوَيْلٌ عظيم وعذاب اليم معد لِلْقاسِيَةِ المضيقة المكدرة قُلُوبُهُمْ مِنْ سماع ذِكْرِ اللَّهِ واستماع ما نزل من عنده من الآيات العظام

<<  <  ج: ص:  >  >>