للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدالة على وحدة ذاته ووجوب وجوده وبالجملة أُولئِكَ الأشقياء المردودون المطرودون عن ساحة عز القبول والحضور فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وجهل عظيم وغفلة شديدة وغشاوة غليظة لا نجاة لهم منها وبالجملة لا ترتفع عن عيون بصائرهم حجبهم الكثيفة أصلا ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور فكيف يتيسر لاحد ان يعرض عن ذكر الله وينصرف عن استماع كلامه مع انه

اللَّهُ الذي دبر امور عباده وارشدهم الى طريق معاده حيث نَزَّلَ تتميما لتربيتهم وإرشادهم أَحْسَنَ الْحَدِيثِ وأبلغه في الإفادة والبيان وجعله كِتاباً جامعا لما في الكتب السالفة مُتَشابِهاً بعض آياته ببعض في حسن النظم واتساق المعنى مَثانِيَ إذ قد ثنى وكرر سبحانه الاحكام فيه تأكيدا ومبالغة امرا ونهيا وعدا ووعيدا ثوابا وعقابا عبرا وأمثالا قصصا وتذكيرا وجعله في كمال الإيجاز ونهاية الاعجاز والتأثير بحيث تَقْشَعِرُّ اى تنقبض وتضطرب على وجه الاشمئزاز مِنْهُ اى من سماعه على وجه التأمل والتدبر جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ في جميع حالاتهم خوفا من سطوة سلطنته وجلاله ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَتطمئن قُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ رجاء من سعة رحمته بمقتضى لطفه وجماله وبالجملة ذلِكَ الكتاب الرفيع الشأن الواضح البرهان هُدَى اللَّهِ الهادي لعباده يَهْدِي بِهِ ويوفق على الهداية والرشد بمقتضى ما فيه مَنْ يَشاءُ من عباده ويضل به عن الاستفادة بما فيه من يشاء ارادة واختيارا وَبالجملة مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ بمقتضى قهره وجلاله فَما لَهُ مِنْ هادٍ إذ لا يبدل القول لديه ولا ينازع حكمه بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد

أَفَمَنْ يَتَّقِي اى يصلى ويدخل بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ اى أشده وأسوئه إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل في أيديهم يسحبون نحو النار بحيث لا يصلى منهم إليها أولا الا وجوههم مثل من أمن منها وسلّم عن مطلق المكاره كلا وحاشا بل وَقِيلَ حينئذ لِلظَّالِمِينَ الخارجين عن مقتضى الحدود الإلهية ظلما وعدوانا على سبيل التوبيخ والتقريع ذُوقُوا ايها المنهمكون في بحر الغفلة والشهوات جزاء ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ في دار الاختبار بمقتضى اهويتكم الفاسدة وآرائكم الباطلة وليس هذا التكذيب والجزاء المترتب عليه مخصوصا بهؤلاء الكفرة المكذبين لك يا أكمل الرسل بل كل ممن

كَذَّبَ الَّذِينَ مضوا مِنْ قَبْلِهِمْ من المشركين رسلهم المبعوثين إليهم فَأَتاهُمُ الْعَذابُ الموعود عليهم فجاءة في النشأة الاولى مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ اماراته أصلا فسيأتيهم مثله بل أمثاله وآلافه في النشأة الاخرى وبالجملة

فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ المنتقم عنهم الْخِزْيَ اى الذل والهوان والخيبة والخسران فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ المعد لهم فيها أَكْبَرُ اى أشد وأفزع لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ شدته وفظاعته لما ارتكبوا ما يئول اليه ويوقعهم فيه

وَالله لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ الناسين عهودنا ومواثيقنا فِي هذَا الْقُرْآنِ المتكفل لهداية عموم الضالين مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ينبههم على معالم الدين ومراسم التوحيد واليقين لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ رجاء ان يتعظوا بما فيه ويتفطنوا بسرائره ومرموزاته مع انا انما جعلناه

قُرْآناً عَرَبِيًّا أوضح بيانا وأعظم شأنا وأجل تبيانا وبرهانا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ اى بلا اختلال واختلاف في معناه موجب للتردد والالتباس فيه مستلزم للشك والارتياب لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ عن محارمنا ويحذرون عما نهيناهم عنه ومع ذلك لم يتقوا بل لم يتنبهوا ولم يتفطنوا أصلا ولهذا قد

ضَرَبَ اللَّهُ المطلع على جميع ما في استعدادات عباده وقابلياتهم مَثَلًا واضحا موضحا لحال الموحد منهم والمشرك

<<  <  ج: ص:  >  >>