للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشبه سبحانه كلتا الطائفتين برجلين مملوكين رَجُلًا مملوكا فِيهِ شُرَكاءُ اى له ملاك وارباب متشاركون فيه كلهم مُتَشاكِسُونَ بالنسبة اليه متخالفون في استخدامه متنازعون في شأنه يتجاذبونه على مقتضى اهويتهم وأمانيهم بكمال الاستيلاء والغلبة هذا مثل المشركين بالنسبة الى معبوداتهم الباطلة وَرَجُلًا اى مملوكا آخر سَلَماً لِرَجُلٍ اى مسلما مخصوصا لمالك ورب فقط بلا شوب شركة فيه ونزاع في امره هذا مثل الموحد بالنسبة الى ربه الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا تعدد فيه ولا كثرة أصلا هَلْ يَسْتَوِيانِ ويتماثلان مَثَلًا هذان الرجلان المملوكان الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي لا شركة في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله بل في تحققه ووجوده ولا نزاع لاحد في حكمه وامره بل يفعل ما يشاء بالإرادة والاختيار ويحكم ما يريد بالاستقلال والاستحقاق بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ وحدته واستقلاله في الوجود والتصرفات الواردة فيه باعتبار شئونه وتطوراته لذلك يشركون له غيره ظلما وعدوانا جهلا وطغيانا. ثم قال سبحانه

إِنَّكَ مَيِّتٌ يعنى كيف لا يستقل سبحانه بالوجود والآثار المترتبة عليه مع انك يا أكمل الرسل واشرف الكائنات وأفضلهم معطل في ذاتك وفي نشأتك هذه عن اسناد ما ظهر وصدر منك ظاهرا إليك إذ لا وجود لك من ذاتك وَإِنَّهُمْ اى غيرك من الأشخاص بالطريق الاولى مَيِّتُونَ مائتون معطلون عن آثار الوجود مطلقا في هذه النشأة بل كلكم أنت وعموم العباد مسخرون مقهورون تحت حكمه سبحانه وامره وما عليك وعليهم الا الامتثال والانقياد

ثُمَّ إِنَّكُمْ ايها الموحدون والمشركون جميعا يَوْمَ الْقِيامَةِ المعدة للحساب والجزاء عِنْدَ رَبِّكُمْ المطلع على عموم ما جرى عليكم تَخْتَصِمُونَ بعضكم مع بعض في ما أنتم عليه في نشأتكم الاولى ثم تحاسبون وتجازون بمقتضاه فستعلمون حينئذ اىّ منقلب تنقلبون. ثم قال سبحانه على سبيل الاستبعاد والتقريع

فَمَنْ أَظْلَمُ وأضل طريقا مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وأنكر وجوده واستقلاله فيه وفي الآثار المترتبة عليه وَكَذَّبَ ايضا بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ يعنى بالقرآن الذي جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم مبينا لتوحيد الحق واستقلاله في الوجود أَلَيْسَ يبقى فِي جَهَنَّمَ البعد والحرمان مَثْوىً لِلْكافِرِينَ الساترين بغيوم هوياتهم الباطلة شمس الحق الظاهر في الآفاق بالاستقلال والاستحقاق مع ان هذا العذاب معد لهؤلاء المردة المطرودين عن ساحة عز القبول

وَبالجملة الموحد المحق الَّذِي جاءَ من قبل ربه بِالصِّدْقِ بلا افتراء ومراء وَصَدَّقَ بِهِ ايمانا واحتسابا بلا شوب شك وتردد فيه أُولئِكَ السعداء الصادقون المصدقون هُمُ الْمُتَّقُونَ الذين يحفظون نفوسهم عن الميل الى ما لا يرضى منه سبحانه وبسبب اتصافهم بالتقوى عن محارم الله

لَهُمْ ما يَشاؤُنَ من اللذات اللدنية الروحانية عِنْدَ رَبِّهِمْ الذي رباهم بأنواع الكرامة ووفقهم على الهداية الى جنابه والعكوف حول بابه تفضلا عليهم وتكريما ذلِكَ الذي سمعت من الكرامة جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ الذين يحسنون الأدب مع الله بحسب ظواهرهم وبواطنهم ويأخذون ما نزل من عنده من الأوامر والنواهي على وجه العزيمة الخالصة عن شوب الرياء والرعونات المنافية المباينة لإخلاص العبودية وليس تلك الكرامات العلية الا

لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ بسبب إخلاصهم في عزائمهم أَسْوَأَ العمل الَّذِي عَمِلُوا فكيف أسهله وأصغره وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ اى يعطيهم جزاء أعمالهم في الآخرة بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ اى احسن من حسناتهم وأوفر منها لخلوصهم فيها

<<  <  ج: ص:  >  >>