للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وعملهم وليضيعن البتة صالح عملك الذي جئت به ليفيدك وَلَتَكُونَنَّ حينئذ مِنَ الْخاسِرِينَ خسرانا مبينا فعليك ان لا تصاحب مع المشركين بحال ولا تقبل منهم قولهم ولا تمتثل أمرهم

بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ اى بل إذا أردت العبادة والإطاعة المفيدة لك فاعبد الله خالصة خاصة ولا تلتفت الى غيره وَكُنْ في شأنك هذا مِنَ الشَّاكِرِينَ الصارفين لنعم الله الى ما خلق لأجله إذ هم اى الشاكرون انما جبلوا على فطرة العبادة والعرفان بالنسبة اليه سبحانه حتى اتخذوه وكيلا حسيبا

وَاعلم يا أكمل الرسل ان المشركين الذين اتخذوا اولياء من دونه سبحانه وادعوا الوجود لهم وشركتهم معه سبحانه ما قَدَرُوا اللَّهَ اى ما وسعوا الحق باعتبار ظهوره بهذا الاسم المخصوص المستجمع لجميع الأسماء والصفات المعبر به عن الذات الاحدية كاسمه العليم لذلك لم يعرفوا حَقَّ قَدْرِهِ وقدر ظهوره وبطونه ولو وسعوا له وعرفوا حق قدره كما هو حقه لما اثبتوا له شريكا إذ كل من تحقق بوحدة الحق وكيفية سريانه على هياكل الاظلال والعكوس المنعكسة من أسمائه وأوصافه لم يبق عنده شائبة شك في ان لا تعدد في ذاته سبحانه ولا تكثر بل يتجلى ويتجدد في كل آن بشأن ولا شك ان كل ما ظهر من آثار الشئون المرئية المدركة بمشاهدة العيون فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام وَمن جملة ما انعكس من بعض شئونه سبحانه الْأَرْضُ جَمِيعاً اى جميع ما يتراءى فيها وما يتولد عليها من الطبيعة والهيولى المنعكسة من التجليات الإلهية حسب اقتضاء آثار أسمائه الحسنى وأوصافه العليا ويتكون فيها قَبْضَتُهُ اى جميعها انما هي مقبوضة في كف قدرته يَوْمَ الْقِيامَةِ التي هي الطامة الكبرى التي قد انقهرت دونها اظلال السوى مطلقا وصارت مندكة في نفسها معدومة في حد ذاتها إذ لا وجود لها وَكذا السَّماواتُ انما هي يومئذ مَطْوِيَّاتٌ معطلات عن مقتضياتها التي هي الأفعال والحركات ساقطات في زوايا العدم على ما قد كانت عليها ازلا وابدا مقبوضات بِيَمِينِهِ وبقبضة قدرته الغالبة وبالجملة سُبْحانَهُ اى تنزه ذاته وتقدس أسماؤه تنزيها وتقديسا بديعا وَتَعالى شأنه عَمَّا يُشْرِكُونَ له غيره ظلما وزورا

وَاذكر يا أكمل الرسل للمشركين يوم نُفِخَ فِي الصُّورِ لرد الأمانات التي هي الوجودات الباطلة الظلية الاضافية المترشحة من بحر الذات على هياكل الهويات فَصَعِقَ اى قد خر وسقط حينئذ مغشيا عليه من شدة فزعه وهو له عموم مَنْ فِي السَّماواتِ اى جميع العلويات وَكذا عموم مَنْ فِي الْأَرْضِ اى جميع السفليات خوفا من انقطاع الإمداد الإلهي حسب النفس الرحمانى إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ من المعتبرين الفانين في الله الباقين ببقائه فإنهم قد قامت قيامتهم على كل حال وفي كل شأن بلا ترتب وانتظار ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى ايقاظا لهم عن سنة الغفلة ونعاس النسيان فَإِذا هُمْ قِيامٌ اى فاجؤا على القيام بعد ما صاروا مغشيا عليهم يَنْظُرُونَ حينئذ حيارى سكارى مبهوتين هائمين كأنهم صرعى مخبولين

وَبعد ذلك قد أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها اى صارت الطبيعة والهيولى منورة بنور الله على ما كانت عليه قبل النفخ وَحينئذ عرضوا على الله ووُضِعَ الْكِتابُ اى مكتوب اعمال كل من النفوس الزكية والخبيثة بين أيديهم وحوسبوا حسب ما فيه وَبعد ما تم حسابهم وتنقيد أعمالهم جِيءَ بِالنَّبِيِّينَ المبعوثين كل منهم الى امة من الأمم ليشهدوا على أممهم بما كانوا عليه في النشأة الاولى وَالشُّهَداءِ اى جئ بالشهداء العدول ايضا يعنى قد انطق الله عموم اركانهم وجوارحهم التي أتوا بها ما أتوا من خير وشر فيشهدن

<<  <  ج: ص:  >  >>