للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعكوس أسمائه مِنْ عالم أَمْرِهِ بمقتضى حبه الذاتي عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ اى اى على استعدادات مظاهره المستظلين تحت ظلال أسمائه وصفاته الممدودة المنبسطة عليهم وبعد القائه ومده إياهم قد كلفهم بما كلفهم من الأوامر والنواهي المصححة للعبودية اللازمة للالوهية والربوبية وانما كلفهم بما كلفهم لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ اى ليخوفهم ويحذرهم عن خجالة زمان الوصول والرجوع الى ربهم في النشأة الاخرى والطامة الكبرى التي تردّ فيها الأمانات الى أهلها على وجهها إذ هو

يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ خارجون عن أجداث اجسادهم منخلعون عن خلعة تعيناتهم راجعون الى الله جميعا بأرواحهم محشورون عنده معروضون عليه بحيث لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ المحيط بهم مِنْهُمْ شَيْءٌ لا من أعيانهم وذواتهم ولا من أعمالهم وأحوالهم ونياتهم وبعد ما قد برزوا لله ورجعوا نحوه صائرين اليه فانين فيه قيل حينئذ من قبل الحق بعد فناء الكل فيه إظهارا لكمال قدرته واستقلاله في حوله وقوته وسطوة سلطنته وبسطته حسب وحدته لِمَنِ الْمُلْكُ اى ملك الوجود والتحقق والثبوت فأجيب ايضا من قبله بعد ما تحقق ان الْيَوْمَ لا موجود فيه سواه ولا شيء غيره حتى يجيب لِلَّهِ الْواحِدِ الأحد من كل الوجوه الْقَهَّارِ المعدم المحيّاء لنقوش السوى والأغيار وعكوس عموم الاظلال والأمثال عن دفتر الوجود ومشهد الشهود وبعد ما قد استقر واستوى سبحانه على الملك المطلق بالأصالة والاستحقاق وعلى عروش عموم ما قد كان ويكون في أزل الآزال وابد الآباد أشار الى سرائر ما ظهر منه من الأوامر والنواهي في النشأة الاولى فقال

الْيَوْمَ اى يوم الجزاء والنشأة الاخرى تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ اى طبق ما كسبت واقترفت في النشأة الاولى التي هي نشأة التكليف والاختبار بلا ازدياد عليه ولا تنقيص عنه إذ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ اى يوم الجزاء لأنه انما وضع لتظهر فيه العدالة الإلهية والقسط الحقيقي بل تجزى فيه كل من النفوس حسب ما صدر عنها خيرا وشرا نفعا وضرا إِنَّ اللَّهَ المطلع على عموم ما ظهر وبطن من احوال عباده سَرِيعُ الْحِسابِ عليهم بلا فترة وتلبس إذ لا يشغله شأن عن شأن ولا يطرأ عليه سهو ونسيان

وَبالجملة أَنْذِرْهُمْ وحذرهم يا أكمل الرسل يعنى عموم المكلفين يَوْمَ الْآزِفَةِ اى القرب والمشارفة على العذاب الأبدي حين احضروا على شفير جهنم للطرح فيها إِذِ الْقُلُوبُ اى قلوب أولئك المحضرين ترتفع وتعلو حينئذ لَدَى الْحَناجِرِ يعنى تلتصق يومئذ قلوبهم بحلاقيمهم من شدة هولهم واضطرابهم وقد كانوا حينئذ كاظِمِينَ مملوين من الكآبة والحزن المفرط وانواع الغموم والخذلان وبالجملة ما لِلظَّالِمِينَ المفسدين المسرفين حينئذ مِنْ حَمِيمٍ قريب قرين يدركهم ويتولى أمرهم ويسعى في استخلاصهم وَلا شَفِيعٍ لهم يُطاعُ اى يسمع شفاعته لأجلهم ويقبل منه مع انه سبحانه

يَعْلَمُ منهم بعلمه الحضوري خائِنَةَ الْأَعْيُنِ اى خيانتهم التي يتغامزون بعيونهم نحو محارم الله بلا خيانة صدرت عنهم ظاهرا فكيف بما أتوا بها جهرا وعلانية وَبالجملة يعلم سبحانه منهم عموم ما تُخْفِي الصُّدُورُ اى صدورهم من ميل الشهوات المحرمة بلا مباشرة الآلات

وَبالجملة اللَّهُ المطلع بظواهرهم وضمائرهم يَقْضِي ويحكم بهم ويجازى عليهم بمقتضى علمه وخبرته من أعمالهم وأحوالهم بِالْحَقِّ على الوجه الأعدل الاقسط بلا حيف وميل إظهارا لكمال عدالته وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ سبحانه من الأصنام والأوثان لا يَقْضُونَ ولا يحكمون لا لهم ولا عليهم يعنى آلهتهم بِشَيْءٍ من نفع وضر وخير وشر إذ هي جمادات هلكى لا شعور لها إِنَّ اللَّهَ القادر المقتدر

<<  <  ج: ص:  >  >>