للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الأمور الدينية وَليكون ذِكْرى اى عظة وتذكيرا يتذكرون بها الى ما يرومونه من المقاصد الدينية والمعالم اليقينية لا لكل احد من العوام بل لِأُولِي الْأَلْبابِ الألباء المستكشفين عن سرائر الأمور الدينية بمقتضى العقول المستقيمة المفاضة لهم من المبدأ الفياض ومع ذلك قد سمعت يا أكمل الرسل قصص أولئك الهالكين في تيه العتو والعناد وما جرى بينهم وبين الرسل المبعوثين إليهم من التحارب والتنازع المفضى الى أذى الأنبياء العظام والرسل الكرام فصبروا على أذاهم الى ان ظفروا عليهم بنصر الله إياهم وإعلاء دينه المنزل عليهم من لدنه سبحانه

فَاصْبِرْ أنت ايضا يا أكمل الرسل على ما اصابك من اذيات هؤلاء الجهلة المستكبرين المعاندين معك وانتظر الى ما وعدك الحق من النصر والظفر وإعلاء دين الإسلام وإظهاره على الأديان كلها إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ العليم القدير الحكيم الخبير حَقٌّ ثابت محقق إنجازه ووفاؤه الا انه مرهون بوقته فسينصرك ويغلبك على عموم أعدائك عن قريب ويبقى آثار هدايتك وارشادك بين أوليائك الى النشأة الاخرى وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ واشتغل في عموم أوقاتك بالاستغفار لفرطاتك ليكون استغفارك هذا سنة سنية لأمتك وَسَبِّحْ ايضا بِحَمْدِ رَبِّكَ في جميع أوقاتك وحالاتك إذ كل نفس من أنفاسك يستلزم شكرا منك سيما بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ اى في أول النهار وآخرها إذ هما وقتان خاليان عن تزاحم الاشتغال وتفاقم الآمال وبالجملة كن مع ربك في عموم احوالك واطوارك يكف عنك مؤنة جميع من عاداك وعاندك ويكف عنك إذا هم. ثم قال سبحانه

إِنَّ المشركين المعاندين الَّذِينَ يُجادِلُونَ ويخاصمون معك يا أكمل الرسل فِي آياتِ اللَّهِ المنزلة عليك لتأييد دينك وشأنك على وجه المكابرة والعناد بِغَيْرِ سُلْطانٍ اى بلا حجة وبرهان أَتاهُمْ وفاض عليهم من قبل ربهم على طريق الوحى والإلهام بل إِنْ فِي صُدُورِهِمْ اى وما في قلوبهم شيء يبعثهم على المجادلة ويغريهم إليها إِلَّا كِبْرٌ وخيلاء منهم مركوز في جبلتهم ثقة لثروتهم ورئاستهم على زعمهم الفاسد مع انهم ما هُمْ بِبالِغِيهِ على مقتضى ما جبلوا في نفوسهم إذ هم سيغلبون عن قريب في هذه النشأة الاولى ويحشرون في الاخرى الى جهنم البعد والخذلان وبالجملة فَاسْتَعِذْ أنت ايها النبي الصادق الصدوق بِاللَّهِ القادر القوى والتجئ اليه سبحانه عن غدر كل غادر إِنَّهُ سبحانه هُوَ السَّمِيعُ لأقوالهم الْبَصِيرُ بنياتهم ويكفيك مؤنة ما يقصدون عليك بمقتضى آرائهم الباطلة واهوائهم الفاسدة ومن أعظم ما يجادلون فيه أولئك المعاندون المكابرون امر الساعة والمعاد الجسماني وبعث الموتى من قبورهم وحشرهم نحو المحشر والله لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى اظهار العلويات والسفليات من كتم العدم على سبيل الإبداع في النشأة الاولى أَكْبَرُ وأعظم مِنْ خَلْقِ النَّاسِ واعادتهم احياء في النشأة الاخرى وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ عظم قدرة الحق وكمال اقتداره على عموم ما دخل في حيطة علمه الشامل وارادته الكاملة لقصور نظرهم عن ادراك الحق وصفاته الكاملة الكافية في ذاته ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور. ثم أشار سبحانه الى تفاوت طبقات عباده في العلم بالله والجهل به وبصفاته فقال

وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى الغافل الزاهل عن ظهور ذات الحق وتجليه بمجالى الأنفس والآفاق بمقتضيات أوصافه العظمى وأسمائه الحسنى وَالْبَصِيرُ العارف المكاشف بوحدة الحق وظهوره سبحانه على هياكل عموم ما ظهر وبطن حسب شئونه وتطوراته الذاتية وَلا المصلحون المحسنون الَّذِينَ آمَنُوا بالله واعتقدوا توحيده وَمع ذلك قد عَمِلُوا الصَّالِحاتِ المقبولة عنده سبحانه من الأعمال والأفعال

<<  <  ج: ص:  >  >>