للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدالة على وحدة ذاته وكمال أسمائه وصفاته أَنَّكَ يا أكمل الرسل انما وجه سبحانه أمثال هذه الخطابات للنبي صلّى الله عليه وسلّم مع انه يصلح لعموم الناس لكمال لياقته بمطالعة آيات الله وخبرته منها تَرَى الْأَرْضَ اى الطبيعة العدمية الجامدة اليابسة خاشِعَةً ذليلة ساقطة عن درجات الاعتبار فَإِذا أَنْزَلْنا من مقام جودنا ورششنا عَلَيْهَا الْماءَ المحيي المترشح من بحر الوجود الذي هو الحي الأزلي والقيوم الأبدي السرمدي اهْتَزَّتْ اى تحركت وارتعدت اهتزازا شوقيا وَرَبَتْ اى زادت ونمت مع انها لا شعور فيها بل لا وجود لها أصلا وبالجملة إِنَّ القادر المقتدر الحكيم الَّذِي أَحْياها مع انها لم تكن في ذاتها شيأ مذكورا لَمُحْيِ الْمَوْتى مرة اخرى بعد ما كانت احياء بالطريق الاولى وبالجملة إِنَّهُ سبحانه عَلى كُلِّ شَيْءٍ دخل في حيطة علمه وارادته قَدِيرٌ بلا فتور وقصور. ثم قال سبحانه تهديدا على منكري الآخرة وقدرة الله على اعادة الموتى وحشر الأجساد

إِنَّ المسرفين الَّذِينَ يُلْحِدُونَ اى يميلون وينحرفون فِي آياتِنا الدالة على عظمة ذاتنا وكمال قدرتنا على انواع الانتقام لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا اى لا يشتبه حالهم علينا بل نحن عالمون بهم وبجميع ما جرى في ضمائرهم وخلج في خواطرهم من الميل والانحراف فنجازيهم بمقتضى الحادهم وانحرافهم باشد العذاب وأسوأ الجزاء أَفَمَنْ يُلْقى ويطرح فِي النَّارِ خَيْرٌ اى قل لهم يا أكمل الرسل على وجه التوبيخ والتقريع أمن يلقى في النشأة الاخرى في النار المسعرة بأنواع المذلة والهوان خير عندهم أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً من العذاب مسرورا يَوْمَ الْقِيامَةِ مقرونا بأنواع الفتوحات والكرامات الموهوبة له من ربه تفضلا عليه وإحسانا وبالجملة قل يا أكمل الرسل للملحدين المصرين على الميل والانحراف على سبيل التبكيت والتهديد اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ من الخوض في آيات الله والميل عن دلائل توحيده إِنَّهُ سبحانه بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ اى بعموم ما تعملون وتأملون خبير يجازيكم عليه بلا فوت شيء منه ثم اعرض عنهم ودعهم في خوضهم يلعبون. ثم قال سبحانه على وجه التخصيص بعد التعميم

إِنَّ المشركين المفرطين الَّذِينَ كَفَرُوا وأنكروا بِالذِّكْرِ الشامل لما في الكتب السالفة المنزل على أكمل الرسل تفضلا منا إياه وتكريما لَمَّا جاءَهُمْ اى حين جاءهم به الرسول المؤيد من لدنا المرسل إليهم ليرشدهم به الى سبيل الهداية والرشد هم يعاندون في تكذيبه ويكابرون في إنكاره وقدحه عتوا واستكبارا وَكيف يفرطون في علو شأنه سبحانه ويكابرون في سمو برهانه إِنَّهُ اى القرآن لَكِتابٌ عَزِيزٌ منيع ساحة عزته ورتبته وعلو قدره ومكانته عن ان يحوم حوله شائبة الجدل والعناد إذ

لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ الزائغ الزائل في خلال أوامره وأحكامه لا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ بان يتصف حكمه وأحكامه حين نزوله وظهوره بعدم المطابقة لما في الواقع وبما في علم الله ولوح قضائه وَلا مِنْ خَلْفِهِ بان يلحقه نسخ وتبديل كالكتب السالفة إذ هو تَنْزِيلٌ منزل مِنْ حَكِيمٍ كامل في الإتقان والاحكام عليم بأساليب الحكم والاحكام حَمِيدٍ في ذاته يحمده كل الأنام على ما أفاض عليهم من موائد الإفضال والانعام. ثم أخذ سبحانه ليسلى حبيبه صلّى الله عليه وسلّم ويزيل عنه أذى الكفرة الجهلة المعاندين معه بمقتضى آرائهم الباطلة واهويتهم الفاسدة العاطلة فقال

ما يُقالُ لَكَ اى ما يقول لك كفار قومك ليس إِلَّا مثل ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ الذين مضوا مِنْ قَبْلِكَ من قبل قومهم فصبروا على أذاهم حتى ظفروا عليهم فانتصروا فاصبر أنت ايضا أذى هؤلاء المعاندين حتى تظفر عليهم وبعد ما ظفرت يؤمنوا بك او

<<  <  ج: ص:  >  >>