للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمصلحة خلافته ونيابته أَلا اى تنبهوا ايها الاظلال المنهمكون في بحر الحيرة والضلال إِنَّ اللَّهَ الذي أظهركم من كتم العدم ورباكم بأنواع اللطف والكرم هُوَ الْغَفُورُ الستار لذنوب انانياتكم المحاء لآثام هوياتكم ان تبتم واخلصتم فيها الرَّحِيمُ بكم يقبل منكم توبتكم ويغفر زلتكم ويوصلكم الى ما جبلتم لأجله. ثم قال سبحانه تهديدا على المشركين المتخذين لله المتوحد في ذاته المستقل في وجوده أندادا

وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ سبحانه أَوْلِياءَ يوالونهم كولايته سبحانه ويتوجهون نحوهم مثل توجهه لا تلتفت يا أكمل الرسل إليهم ولا تبال بشأنهم إذ اللَّهُ المحيط بذواتهم وأفعالهم وصفاتهم حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ عليم بأعمالهم ونياتهم فيحاسبهم عليها ويجازيهم بمقتضاها وَبالجملة ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ كفيل تخلصهم عن مفاسد أعمالهم ومقابح أفعالهم بل ما أنت الا مبلغ ونذير وبعد ما بلغت وأنذرت لم يبق من أمرك شيء

وَكَذلِكَ اى مثل ما أوحينا وأنزلنا الى من قبلك من الأنبياء والرسل كتبا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يا أكمل الرسل ايضا قُرْآناً عَرَبِيًّا نظما وأسلوبا لِتُنْذِرَ بانذاراته أُمَّ الْقُرى يعنى اهل مكة شرفها الله وَمَنْ حَوْلَها من أقطارها وانحائها كما انذر الأنبياء الماضون اقوامهم عن مطلق الأمور المنافية لسلوك طريق التوحيد وسبيل الهداية والرشد وَتُنْذِرَ خاصة عن الأهوال والأحزان الحاصلة لهم يَوْمَ الْجَمْعِ والحشر والاجتماع على المحشر والموقف بين يدي الله الذي لا رَيْبَ فِيهِ اى في إتيانه ووقوعه وبعد ما اجتمعوا فيه حيارى وسكارى تائهين هائمين يساقون بعد ما يحاسبون نحو الجنة والنار فَرِيقٌ منهم فِي الْجَنَّةِ مسرورون مقبولون وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ محزونون مطرودون

وَلَوْ شاءَ اللَّهُ الهادي لعباده وأراد هدايتهم جميعا لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً مقتصدة معتدلة على مقتضى صرافة الوحدة الذاتية واعتدالها الحقيقي وَلكِنْ راعى سبحانه مقتضيات أوصافه وأسمائه المتقابلة وشئونه المتخالفة لذلك يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ ويوصله الى فضاء وحدته حسب جوده وحكمته عناية منه وفضلا وولاية لهم ونصرا وَالظَّالِمُونَ الخارجون عن مقتضى العناية الإلهية وولايته حسب قهره وانتقامه إياهم إظهارا لكمال قدرته ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ يواليهم ويشفع لهم عنده سبحانه وَلا نَصِيرٍ ينقذهم من عذابه فظهر ان لا ولاية ولا نصرة الا لله ولا غالب الا هو وان زعموا آلهة سواه

أَمِ اتَّخَذُوا بل أخذوا واثبتوا مِنْ دُونِهِ سبحانه أَوْلِياءَ واعتقدوهم شركاء له سبحانه او شفعاء لهم عنده سبحانه فانه لا تنفعهم موالاتهم واتخاذهم هذا بل تضرهم وتغويهم فَاللَّهُ المستقل بالالوهية والربوبية هُوَ الْوَلِيُّ المقصور على الولاية لأولى في الوجود سواه وَهُوَ بكمال قدرته يُحْيِ الْمَوْتى ويميت الأحياء بالإرادة والاختيار لا فاعل في الوجود الا هو وَبالجملة هُوَ باستقلاله واختياره عَلى كُلِّ شَيْءٍ من مقدوراته ومراداته قَدِيرٌ بلا فتور وقصور

وَبعد ما ثبت ان الولاية المطلقة والقدرة المحققة ثابتة لله منحصرة له لا فاعل في الوجود سواه فاعلموا ايها المكلفون بسلوك طريق الحق وتوحيده ان مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ اى من شعائر الدين ومعالم التوحيد واليقين واختلافكم فيه انه هل هو مفيد لكم في سلوككم أم مفسد فَحُكْمُهُ مفوض إِلَى اللَّهِ وامره موكول الى كتبه ورسله فعليكم التعبد والامتثال بما أمرتم به ونهيتهم عنه على ألسنة الكتب والرسل إذ لا مدبر لأموركم سواه ولا متصرف في الوجود الا هو ذلِكُمُ اللَّهُ الذي سمعتم نبذا من وصفه واستقلاله في ملكه وملكوته رَبِّي وربكم فاعبدوه حق عبادته وفوضوا أموركم كلها اليه وان خوفتمونى بغيره مع انه لا غير في الوجود معه فانا عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>