للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا على غيره من الوسائل والأسباب العادية تَوَكَّلْتُ واتخذته وكيلا يدفع عنى مؤنة جميع من عاداني وَإِلَيْهِ لا الى الوسائل والأسباب أُنِيبُ وارجع في مطلق الخطوب والملمات وكيف لا أتوكل عليه ولا أنيب نحوه إذ هو بذاته حسب شئونه وتطوراته

فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى مظهرهما وموجدهما من كتم العدم ومدبر ما يتكون بينهما من الطبائع والهيولى وصور المواليد والأركان ومن جملة تدبيراته سبحانه انه جَعَلَ وخلق لَكُمْ ايها المجبولون على فطرة التوحيد إبقاء لتناسلكم وتوالدكم مِنْ أَنْفُسِكُمْ ومن بنى نوعكم أَزْواجاً من جنسكم وصنفكم وجعل بينكم مودة ورحمة إبقاء لنسلكم وَمِنَ الْأَنْعامِ ايضا أَزْواجاً تربية لكم وتتميما لمعاشكم وبالجملة يَذْرَؤُكُمْ يبثكم ويكثركم فِيهِ اى في عالم الظهور ونشأة الشهادة بهذا التدبير البديع كل ذلك لتعلموا وتعرفوا يقينا انه لَيْسَ كَمِثْلِهِ اى ليس مثله سبحانه شَيْءٌ يناسبه في الوجود ويماثله في التحقق والثبوت والمراد بالمثل المنفي هو ذاته اى لا يماثله ذاته فكيف غيره مثل قولهم مثلك لا يبخل بمعنى أنت لا تبخل والمراد به نفى التعدد عنه سبحانه مطلقا على سبيل المبالغة والتأكيد فثبت حينئذ ان لا موجود سواه ولا تحقق لغيره وَمتى ثبت هذا ظهر انه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ اى هو بذاته المنحصر على صفتي السمع والبصر وجميع الأوصاف الذاتية الكاملة الشاملة آثارها في عالمي الغيب والشهادة ونشأتى الاولى والاخرى إذ

لَهُ لا لغيره من الوسائل والأسباب العادية الظاهرة في اظلال المظاهر والمجالى مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى مفاتيح خزائن العلويات من الأسماء والصفات وكذا مفاتيح السفليات من مظاهر الطبائع ومرايا الاعدام القابلة لانعكاس اشعة شمس الذات من مشكاة الأسماء والصفات إذ هو بذاته يَبْسُطُ ويفيض الرِّزْقَ الصوري والمعنوي لِمَنْ يَشاءُ من ظلاله وعكوسه وَيَقْدِرُ يقبض عن من يشاء منهم وبالجملة إِنَّهُ سبحانه بذاته وبمقتضى أسمائه وصفاته بِكُلِّ شَيْءٍ دخل تحت ظل وجوده حسب فضله وجوده عَلِيمٌ بعلمه الحضوري لا يعزب عن حضوره شيء مما ظهر وبطن وغاب وشهد ومن كمال توحده واستقلاله في تدبير ملكه وملكوته وحيطة علمه وشمول قدرته

شَرَعَ لَكُمْ اى قد قضى ووضع لكم ايها الاظلال المنهمكون في بحر الحيرة والضلال مِنَ الدِّينِ القويم والطريق المستقيم الموصل الى توحيده ما وَصَّى بِهِ نُوحاً اى دينا قد شرعه ووضعه سبحانه على نوح إذ هو أول من ظهر على نشأة التدين والتشرع في طريق التوحيد ألا وهو توحيد الأفعال وَهذا الدين الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يا أكمل الرسل هو الدين الموصل الى توحيد الذات لذلك ختم ببعثك امر الرسالة والتشريع وبعد ما عين سبحانه مبدأ التوحيد ومنتهاه أشار الى ما بينهما من المراتب فقال وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى اى الأديان التي قد وضعناها على هؤلاء المشاهير وغيرهم من جماهير الأنبياء والرسل المتشرعين هي الأديان الموصلة الى توحيد الصفات وبالجملة قد وصينا لعموم ذوى الأديان أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ المنزل إليهم واستقيموا في الإطاعة والامتثال بأوامر الأديان ونواهيها وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ اى لا تختلفوا في اصل الدين الذي هو التوحيد الإلهي بحال وان كانت الطرق والمناهيج نحوه مختلفة باختلاف ذوى المراتب المترتبة بحسب اختلافاتهم في شئون الحق وتجلياته فلك يا أكمل الرسل ان تدعو الناس الى توحيد الذات المتضمن المستلزم لتوحيد الصفات والأفعال وان كان كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ اى قد شق وعظم عليهم ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اى دعوتك إياهم الى التوحيد الذاتي

<<  <  ج: ص:  >  >>